عشرة قادة من الأسرى الفلسطينيين هزوا العالم
بقلم: عيسى قراقع*
وضع الدكتور عقل صلاح بين يدي كتابه الجديد بعنوان (المغيبون خلف الشمس)، ووجدت فيه مساهمة نوعية ومتميزة في الدفاع عن أقدس وأهم قضية للشعب الفلسطيني وهي قضية الأسرى كرموز نضالية قاتلوا وضحوا بسنوات أعمارهم من أجل حرية وكرامة الشعب الفلسطيني وانعتاقه من براثن الاحتلال.
اختار الدكتور عقل صلاح في بحثه عشرة مناضلين من القادة الأسرى القابعين في سجون الاحتلال وهم: أحمد سعدات، مروان البرغوثي، كريم يونس، نائل البرغوثي، جمال أبو الهيجا، كميل أبو حنيش، خالدة جرار، وليد دقه، حسن سلامة، زيد بسيسي، مسلطا الضوء على تاريخهم الكفاحي في مقارعة المحتلين قبل أسرهم ودورهم البطولي بعد أسرهم، وهو من خلالهم يسرد رواية الحركة الوطنية الأسيرة منذ بداية الاحتلال، رواية مليون فلسطيني وأكثر زجوا في السجون والمعسكرات الإسرائيلية، بل هي رواية الشعب الفلسطيني في مسيرة نضاله المستمرة من أجل الحرية والاستقلال.
وفاء للأسرى وعائلاتهم
هذا الكتاب هو تحية وفاء للمناضلين الأسرى وعائلاتهم الصابرة، ومنبرا للدفاع عن حقهم المشروع بالمقاومة في تصديه للرواية الإسرائيلية التي تسعى لتجريم نضال المعتقلين ونزع مشروعية نضالهم كمقاتلين شرعيين بتجريدهم من مكانتهم القانونية وكرامتهم الإنسانية، فالأفق الوطني الفلسطيني من صنع هؤلاء الأسرى الشهداء منهم والأحياء.
من يقرأ هذا الكتاب يجد في طياته قوة إنسانية مقاتلة وخارقة، لم يستطع السجن أن يصهرها أو يدمرها أو يرميها في غياهب النسيان، أسرى امتشقوا البندقية ومارسوا العمل الفدائي، طاردهم المحتلون وكانوا مشاريع تصفية واغتيال، أسرى جرحى كرسوا حياتهم للمقاومة والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، دوهمت منازلهم، اعتقلت عائلاتهم، هدمت بيوتهم، تعرضوا لأساليب تعذيب وحشية في أقبية التحقيق، عزلوا في زنازين انفرادية سنوات طويلة، مورس على أجسادهم كل أشكال القمع والطمس والاستلاب لتحطيم نفوسهم وكبريائهم وهويتهم الوطنية، لكنهم انتصروا على السجان ومخططات الاحتلال ومؤسسته الأمنية، امتشقوا الإرادة ودافعوا عن وجودهم وكرامتهم وحقهم بالحياة والحرية، لم يرفعوا راية بيضاء، حرروا السجن من أعماقهم وأرواحهم وعقولهم وظلوا في نظر الأعداء قنابل متفجرة.
عشرة من القادة الأسرى هزوا العالم والأسلاك الشائكة، عبروا حدود الدنيا وأكثر، صمدوا في زنازين التحقيق وواجهوا أساليب التعذيب الجسدي والنفسي بكافة أدواته الوحشية، لم يعترفوا بشرعية جهاز القضاء الإسرائيلي ولا بمحاكمه العسكرية، إنها محاكم شكلية صورية وأداة لتعميق مأساة الشعب الفلسطيني تحت غطاء القانون، حولوا محاكماتهم إلى محاكمات لدولة الاحتلال وممارساته التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وكافة الشرائع الإنسانية.
عشرة من القادة الأسرى هزوا العالم، لم تدفنهم زنازين العزل الانفرادي الضيقة ذاتب الإجراءات المشددة، لم يفقدوا الذاكرة، لم ييأسوا بعد أن رفضت إسرائيل الإفراج عنهم في صفقات التبادل أو في المفاوضات السياسية، لم تردعهم حفلات الضرب والقمع والمداهمات والعقوبات الفردية والجماعية، خاضوا المواجهات وملاحم الإضرابات المفتوحة عن الطعام، انتصروا بالملح والجوع والإيمان والصبر وأشعلوا في ساحات السجون الانتفاضات، كسروا زمن المؤبدات والدائرة المغلقة.
محاكمة أخلاقية
أقام الدكتور عقل في كتابه محاكمة ثقافية سياسية وإنسانية وأخلاقية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وكأن هذا الكتاب لائحة اتهام طويلة ضد هذا المحتل الذي يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المعتقلين الفلسطينيين، منتهكا كل الاتفاقيات والصكوك الإنسانية وقرارات الشرعية الدولية ومنها: الاعتقالات الجماعية التي تحولت إلى عقاب جماعي للشعب الفلسطيني، التعرض لأساليب تعذيب وتنكيل محرمة دوليا، الإهانات والعزل والإبعاد والإهمال الطبي المتعمد والاعتقال الإداري التعسفي والقمع اليومي، اعتقال الأطفال القاصرين والنساء والأقرباء، المساومة والتهديد والابتزاز، الحرمان من الزيارات ومن التعليم ومن التواصل الاجتماعي، تشريع قوانين عدائية وعنصرية ضد حقوق الأسرى ومباديء حقوق الإنسان، المحاكمات غير العادلة والمجحفة والتمييزية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة التي تتعامل مع الأسرى كأنهم ليسوا من بني البشر.
لقد فتح قادة هذا الكتاب كل النوافذ الموصدة أمام أعين المجتمع العالمي ومؤسساته الإنسانية والحقوقية على ما يجري في ساحات السجون من فظائع تنتهك الكرامة الإنسانية والقيم الأخلاقية والثقافية، داعيا إلى توفير الحماية الدولية للأسرى والمعتقلين وإلزام إسرائيل كسلطة محتلة على احترام القوانين الدولية، ووضع جرائم الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة دولة الاحتلال قضائيا، وحتى لا تبقى منفلتة من العقاب تستبيح حقوق المعتقلين وكرامتهم الإنسانية، ليكون قادة هذا الكتاب شهوداً حية على أكبر دولة تمارس الطغيان والإرهاب الرسمي بحق الشعب الفلسطيني وباتت تشكل خطرا على العدالة الكونية والسلم العالمي.
الجديد النوعي في بحث د. عقل هو إبراز الدور السياسي والثقافي والاجتماعي للحركة الوطنية الأسيرة، ومن جوانب وأبعاد عديدة لم يتناولها الباحثون من قبل، وهذه الأبعاد هي:
سلطة ثورية في الأسر
أولا: إقامة السلطة الثورية داخل السجون: لأول مرة في التاريخ الفلسطيني المعاصر تقام دولة فلسطينية مستقلة وذلك خلف قضبان سجون الاحتلال، تنتزع شرعيتها ووجودها من براثن السجانين وتشكل حكومتها ومؤسساتها من جيش الثوار، تمتد مساحتها على كل فلسطين الانتدابية، سكانها هم من الأسرى ومن كل فئات الشعب الفلسطيني الصغير والكبير الرجل والمرأة، ومن كل الطبقات والطوائف الدينية والأحزاب والتنظيمات السياسية، دولة ذات بعد قومي وإنساني عالمي، شارك في تأسيسها أسرى عرب وأسرى أجانب من حركات تحرر وطنية من بلدان مختلفة.
هي دولة السجون التي ساهم في تأسيسها القادة العشرة في هذا الكتاب، لم يكن ذلك بفعل تسويات سياسية أو قرارات دولية، وإنما بفعل شلالات الدماء والتضحيات والبطولات الجماعية المنظمة، بالأمعاء الخاوية والإرادة الصلبة لجموع الأسرى، انتزع الأسرى دولة الأمر الواقع وأجبروا المحتل على الاعتراف بشرعية هذه الدولة ومؤسساتها الاعتقالية، حطم الأسرى منظومة القمع الإسرائيلية التي استهدفت الإنسان الأسير وكيانه السياسي، أقام الأسرى سلطتهم الثورية المضادة لسلطة القمع الاحتلالية، سلطة تحكمها قواعد وقوانين وأنظمة وضوابط وتقاليد ديمقراطية راسخة لسنوات طويلة، هي دولة مشيدة من لحم ودم وانتماء يصعب قصفها بالصواريخ أو احتلالها بالدبابات.
دور الأسرى
ثانيا: دور الأسرى السياسي والاجتماعي: لم تستطع جدران السجن وإجراءات الحصار والتضييقات المستمرة على الأسرى أن تحول دون مشاركتهم السياسية الفاعلة في كافة القضايا والهموم الوطنية للشعب الفلسطيني، فقد لعب الأسرى دورا أساسيا هاما في نقل ثقل النضال الوطني الفلسطيني من الخارج إلى الداخل، وأنقذوا الثورة الفلسطينية من حصار الجغرافيا والتدخلات الخارجية وهم أكثر من دافع وحمى شرعية منظمة التحرير الفلسطينية من كل المؤامرات الإسرائيلية التي سعت لإيجاد بدائل لها خاصة في سنوات الثمانينيات.
الأسرى شكلوا قوة هائلة أشعلت الانتفاضات في وجه المحتلين، وكان إضراب الأسرى في سجن جنيد عام 1987 والذي استمر 20 يوما أول الشرارات التي فجرت الانتفاضة الأولى، وخريجو دولة السجون من الأسرى المحررين هم الذين شكلوا القيادة الموحدة للانتفاضة.
انتخب أسرى أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني، حظوا بإجماع في المجتمع الفلسطيني، وكانت عضويتهم في البرلمان الفلسطيني ذات مدلولات سياسية تشير إلى أهمية استعادة خطاب حركة التحرر الوطني، وأن للمناضلين الأسرى الذين قاوموا الاحتلال مكانة واحترام وتأثير في بناء النظام السياسي الفلسطيني.
اضطرت سلطة الاحتلال ولأول مرة وعلى المستوى السياسي وليس على مستوى ضباط في إدارة السجون إلى إجراء مفاوضات مع الأسرى خلال الإضرابات عن الطعام خشية من التداعيات الجماهيرية والدولية التي أحدثتها إضرابات الأسرى على كافة المستويات كما جرى في إضراب الأسرى عام 1992 (بركان أيلول) والذي استمر 22 يوما، عندما أشرف اسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت على إدارة المفاوضات مع قيادة الأسرى وتكليف وزير الأمن الداخلي موشيه شاحل بالتفاوض مع المعتقلين، وهذه تعتبر سابقة في تاريخ إضرابات الحركة الأسيرة، وتكرر ذلك في إضراب المعتقلين عام 2012 ضد سياسة العزل الانفرادي والذي استمر 28 يوما، حيث شكلت لجنة من قبل الحكومة الإسرائيلية وبمشاركة مصرية للتفاوض مع قيادة الأسرى.
السجون دفيئة وحاضنة للثورات والانتفاضات وفضح ممارسات الاحتلال، وأصبحت تشكل قلقا وتأثيرا سياسيا في الرأي العام الدولي على الدولة العبرية، لهذا لأول مرة يجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر لاتخاذ قرار سياسي لمواجهة إضراب الحرية والكرامة في نيسان 2017 والذي استمر 42 يوما، ورفض التفاوض مع قائد الإضراب مروان البرغوثي وعدم الاستجابة لمطالب المعتقلين وتجنيد كل وسائل البطش والقمع لكسر شوكة المضربين وإفشال الإضراب.
لعب الأسرى الفلسطينيين ومن ضمنهم القادة العشرة في هذا الكتاب الدور الفاعل في المصالحة الوطنية وإعادة الوحدة الوطنية من خلال وثيقة الوفاق الوطني التي صيغت داخل السجون عام 2006، وقد تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية وكافة الفصائل الفلسطينية، وعلى أساسها تشكلت أول حكومة وحدة وطنية عام 2007 وتحت شعار شركاء في الميدان شركاء في القرار.
لوحق القادة العشرة موضوع هذا الكتاب وعزلوا وفرضت عليهم عقويات قاسية من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي بسبب تصريحاتهم ومواقفهم السياسية والإعلامية الرافضة لصفقة القرن الأمريكية وسياسة التطبيع والتنسيق الأمني مع الاحتلال، ودعواتهم إلى عدم الشروع في مفاوضات دون التمسك بالثوابت الفلسطينية وعلى رأسها انسحاب الاحتلال من الأراضي المحتلة، ووقف الاستيطان والتهويد في القدس والإفراج عن المعتقلين دون تمييز أو شروط، ودعواتهم إلى التمسك ببرنامج الصمود في الخطاب السياسي الفلسطيني والالتفاف حول المقاومة الشاملة بكافة أشكالها ومقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، وإعادة النظر في اتفاقيات أوسلو التي تحولت إلى فخ للشعب الفلسطيني حيث تغول الاستيطان والقمع والمعازل والأبرتهايد في الحياة الفلسطينية.
حاصر القادة العشرة الاحتلال في الرأي العام الدولي بسبب الحملات الدولية والحقوقية المناصرة للأسرى وحريتهم ومن خلال عناوين رموز الحركة الأسيرة كمروان البرغوثي وأحمد سعدات وكريم يونس وخالدة جرار ونائل البرغوثي والذين رفعت صورهم في الفعاليات والأنشطة في المدن والعواصم العالمية وإعطائهم مواطنة فخرية بصفتهم أسرى حرية.
لقد أكد الأسرى العشرة أكثر من مرة على أهمية التمسك بالخيار الديمقراطي من أجل بناء نظام سياسي فلسطيني جديد يكرس التعددية السياسية وسيادة القانون ومبدأ فصل السلطات واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد وحرية الصحافة واحترام حقوق المرأة، وإجراء الإصلاح الإداري والمالي ومحاربة الفساد، وإعادة النظر في وظائف السلطة ومهامها في ظل تنصل إسرائيل من كافة الاتفاقات الموقعة.
عمل القادة العشرة وما زالوا جهدا كبيرا وتدخلا من أجل المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الذي أضر بالمشروع الوطني الفلسطيني، مؤكدين على أهمية الوحدة الوطنية كقانون للانتصار على الاحتلال، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وعقد المجلس الوطني الفلسطيني على أساس من الشراكة والتوافق بين جميع القوى والتنظيمات لمواجهة المشاريع التصفوية والتآمرية على القضية الفلسطينية.
قضية قومية سياسية
ثالثا: قضية الأسرى: دعا القادة العشرة في هذا البحث وهو لسان حال كافة الأسرى الى اعتبار قضية الأسرى وحريتهم هي جزء أساسي وأصيل من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وأن قضية الأسرى قضية قومية سياسية وتحررهم وإنهاء معاناتهم يعتبر واجبا وطنيا ونضاليا وأخلاقيا ومن مسؤولية الجميع.
لقد أصبح من الأهمية العمل على انتزاع اعتراف دولي بأن الأسرى الفلسطينيين هم أسرى حركة تحرر وطني وأسرى حرب محميين بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، وضرورة التصدي للخطاب الإعلامي الإسرائيلي التحريضي الذي يصف المعتقلين بالإرهابيين لنزع شرعية نضالهم ولتبرير جرائمه بحقهم.
ودعا القادة العشرة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وكافة القوى السياسية والجماهيرية إلى عدم الخضوع للابتزاز الاسرائيلي والعدوان على حقوق الأسرى ومعاناتهم من خلال قرصنة وسرقة أموال الضرائب الفلسطينية بحجة دعم عوائل الأسرى والشهداء والجرحى، وأهمية التصدي على مستوى البرلمانات الدولية للتشريعات العنصرية المتطرفة التي شرعها الكنيست الإسرائيلي والمعادية لحقوق الأسرى ولكل الشرائع الدولية.
طالب القادة العشرة بتدويل قضية الأسرى باعتبارها قضية المجتمع العالمي والعدالة الإنسانية، والتحرك على كافة المستويات والهيئات الدولية من أجل إطلاق سراح الأسرى ورفع المعاناة عنهم، والضغط باتجاه إلزام إسرائيل كسلطة محتلة الالتزام بقواعد القانون الدولي في تعاملها مع المعتقلين.
عبر القادة العشرة في هذا البحث عن قلقهم على مصير الحركة الأسيرة في ظل تراجع دورها في السنوات الأخيرة ونجاح سلطة السجون واستخباراتها وأدواتها في السيطرة على واقع الأسرى واستغلال الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وتجزئة المعتقلين والقضاء على العمل الجماعي والوحدة الوطنية، وتحويل مجتمع السجون إلى مجتمع استهلاكي تسوده المصالح الفردية والحزبية والشكلية والجهوية وتراجع الثقافة الوطنية مما يشكل خطرا داهما على وحدة الأسرى وحقوقهم وهويتهم وقيمهم الوطنية.
تجربة إبداعية
رابعا: التجربة الثقافية والتعليمية والإبداعية: أبرز د. عقل في هذا الكتاب من خلال القادة العشرة إبداعات الأسرى وثورتهم الثقافية والأدبية والفكرية التي تحدت واقع السجن وقوانينه المشددة، لقد تحرر الأسرى من واقع السجن من خلال نتاجاتهم الثقافية والأدبية المتنوعة والتي حلقت بهم خارج الأسوار وساهمت في تعزيز الهوية الثقافية التحررية.
إن إبداعات الأسرى الفكرية هي جزء من ثقافة المقاومة، تغلبت على زمن السجن وعلى الفراغ الروحي وصدى الجدران وسياسات التجهيل والمحو الثقافي، وتعتبر هذه الإبداعات مكون أساسي من الهوية الثقافية النضالية للشعب الفلسطيني، ففي هذه الإبداعات مواجهة هوية تحررية مع هوية مغتصبة فرضت نفسها بالقوة المسلحة، هوية ثقافية أعطت للتضحية معنى.
وربما لم يحدث في أي سجن في العالم أن ينجب الأسرى أطفالا من خلال تهريب نطف منوية من داخل السجون، إنها رسالة إنسانية تشبه المعجزة تقول: أن الأسرى أثبتوا أن قدرتهم ليست مشلولة عن الخلق وإعادة الخلق والتحليق في رحاب الحياة، إنه انتصار تاريخي على مفهوم السجن الإسرائيلي الذي أراد من السجن قبرا أو بديلا لحبل المشنقة وإعدام الحياة، فالأسرى كانوا أكثر اكتمالا إنسانيا من هؤلاء الذين يضطهدون شعبا آخر ويزجون به في معسكرات وزنازين ويتعاملون معهم كأنهم مجرد أشياء بلا قيمة.
لم تستطع قوة الاحتلال منع الأسرى من التعليم الثانوي والجامعي داخل السجون برغم القوانين والقرارات التعسفية والإجراءات التي اتخذت بهذا الصدد لحرمان الأسرى من التعليم منذ عام 2008.
لقد شكل الأسرى لجان تدريس قادت إلى ثورة تعليمية وأكاديمية غير مسبوقة في ساحة السجن وبالتعاون والتنسيق مع الجامعات الفلسطينية ومجلس التعليم العالي، تخرج المئات من الأسرى وحملوا الشهادات العليا، أرقام الأسرى الجامدة تحولت إلى أرقام على مقاعد الدراسة.
إن التعليم الجامعي في السجون شكل أروع أداة مقاومة لإعادة بناء الحركة الأسيرة وتعزيز وحدتها وهيبتها، ومواصلة حياتهم بعد الإفراج ليكونوا قادرين على الإسهام والعمل في مؤسسات المجتمع الفلسطيني، فالتعليم عزز الثقة بالنفس وحقق مشاعر التفاؤل بالمستقبل، إنه سلاح الأمل في مواجهة اليأس وتهميش الذات.
الأغلبية من القادة العشرة موضوع هذا البحث أكملوا تحصيلهم العلمي والأكاديمي في جامعة السجون، وتحولوا إلى معلمين قادوا العملية التعليمية لسائر زملائهم الأسرى، مما أغنى الحياة الثقافية والإنسانية لمجموع الأسرى من خلال تعزيز قدراتهم الثقافية والتعليمية وإعطاء معنى للحياة القادمة، إنهم القادة العشرة الذين هزوا العالم.
*وزير شؤون الأسرى والمحررين عضو المجلس التشريعي السابق