ضغوط أميركية لاحتواء الرد الإيراني وتجنب المواجهة المباشرة

الدكتور عامر السبايلة

نجحت واشنطن في تفعيل استراتيجية احتواء ومنع الرد الإيراني على إسرائيل في هذه المرحلة، حيث أظهر وصول آلة الحرب الأمريكية إلى المنطقة موقف واشنطن الحاسم تجاه التداعيات التي ستواجه طهران في حال قيامها بأي عمل عسكري يستهدف إسرائيل، خصوصاً مع وصول رسائل واضحة تفيد باستعداد واشنطن لاستخدام القوة العسكرية لاحتواء أي هجوم إيراني أو حتى استهداف إيران مباشرة.

في الوقت نفسه، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا على جميع الأطراف بهدف إحياء مفاوضات وقف الحرب في غزة، وجعلها حجر الأساس لتهدئة كافة الجبهات تدريجيًا، وأهمها الجبهة اللبنانية التي زارها مبعوث الرئيس الأمريكي بهدف ربط هدنة غزة بإنهاء التصعيد على الجبهة اللبنانية.

طهران، التي واجهت لأول مرة منذ سنوات تحديات أمنية وسياسية حقيقية، وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع التهديدات الأمريكية بجدية كبيرة، مما دفعها إلى محاولة تعظيم المكاسب السياسية مقابل قبول سيناريو التهدئة وفتح مجال لتفاهمات جديدة مع الإدارة الأمريكية تشمل ملفات متعددة، بما فيها مناطق الصراع المختلفة من غزة إلى لبنان واليمن والعراق.

بالرغم من الجهود الدبلوماسية المبذولة لتأمين أساسات لانطلاق مفاوضات وقف الحرب في غزة، والتي وفقًا للرؤية الأمريكية قد تُسهل فتح ملفات الجبهات الأخرى وتعزز فرص نجاح هذه التسوية التدريجية، إلا أن حجم التعقيدات على كافة الجبهات بات كبيرًا جدًا، ولم تعد مسألة وقف الحرب في غزة قادرة على تقديم وصفة لإنهاء التصعيد على جبهات أخرى، أو إغلاق جبهات فُتحت في إطار هذه الحرب ولكن لا يمكن أن تُغلق دون حلول شاملة، مثل ملف الجبهة اللبنانية على سبيل المثال.

إسرائيل، التي فتحت جبهة لبنان وأعادت تأسيس المواجهة المباشرة مع إيران، تخوض المفاوضات وفقًا للرغبة الأمريكية ولكن دون إشارات حقيقية بوجود نية لإغلاق هذه الملفات دون تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض. فإسرائيل ترى أن الوضع الحالي للجبهات يجعل سيناريو 7 أكتوبر قابلاً للتكرار، وأنها لا يمكن أن تتحمل خطر تكرار مثل هذا اليوم تحت أي ظرف، ما يعني أن الحلول المؤقتة التي تطرحها الولايات المتحدة قد لا تفضي إلى تهدئة طويلة الأمد، أو قد لا تمنع مواجهات حتمية إذا ما تبلورت قناعة بعدم إمكانية التوصل إلى اتفاقات ترضي جميع الأطراف، ما قد يؤدي إلى تجدد سريع للصراع المفتوح والقائم أصلًا.

وفي الوقت الذي يتم فيه الحديث عن ضرورة إيجاد حل لمسألة الحرب في غزة، تشهد جبهة الضفة الغربية تصعيدًا متسارعًا، حيث يتركز الاهتمام الأمني الإسرائيلي على شكل المواجهة مع الفصائل هناك، ومع الحديث المتزايد عن دخول أسلحة نوعية مثل مضادات الدروع والطائرات، فإن هذا يؤسس فعليًا لمواجهة أكبر وانخراط إسرائيلي عسكري واسع. خصوصًا مع تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الأخيرة حول مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، والتي وصفها بأنها بؤر إرهابية تستخدمها إيران لضرب أمن إسرائيل وتكرار سيناريو 7 أكتوبر من جبهة الضفة الغربية، وطرحه بشكل علني لفكرة تفكيك هذه المخيمات.

المحاولة الأمريكية لاحتواء خطر التصعيد بين إيران وإسرائيل قد تنجح مؤقتًا في منع اندلاع مواجهة عابرة للحدود بين الطرفين، لكنها بلا شك لا يمكن أن تغير الواقع المتشكل منذ سنوات والذي ظهر بوضوح في الأشهر الأخيرة.

الانتقال من هدنة قصيرة الأمد إلى هدنة طويلة الأمد بعد هذه الأشهر من الحرب يتطلب ضمانات سياسية لإيران وأمنية لإسرائيل، وهو ما يصعب على الإدارة الأمريكية تقديمه حاليًا، ما يجعل هذه الجهود تُصنف على أنها تأجيل للمواجهة، خاصة مع تزايد الرغبة الإسرائيلية في تأمين الجبهات المختلفة ضمن رؤية طويلة الأمد، ومحاولة إيران تطبيق تكتيكات قصيرة الأمد للاستفادة من الشهور المتبقية للإدارة الديمقراطية لتحقيق أي تسوية تضمن تبديد فكرة الحرب المباشرة.

“الرأي”

زر الذهاب إلى الأعلى