للمرة الأولى.. صور ثلاثية الأبعاد لـ”سفينة نوح”
قام خبير الجيوفيزياء النيوزيلندي جون لارسن، وخبير الآثار الأمريكي أندرو جونس، بتصوير مشاهد ثلاثية الأبعاد للتكوين الذي يشبه السفينة المكتشفة عام 1959 بقضاء دوغو بايزيد، بولاية آغري شرقي تركيا، ما أدى إلى فتح آفاق جديدة في دنيا العلم بخصوص سفينة نوح، التي ظل وجودها محل جدل ونقاش منذ عدة قرون.
وورد ذكر سفينة نوح في الكتب المقدسة، ويعتبرها البعض مجرد أسطورة، في حين يعتبرها آخرون حقيقة تنتظر أن يتم إثباتها.
واكتشف موقع السفينة أول مرة، على يد ضابط الخرائط التركي النقيب إلهان دوروبينار، في 11 سبتمبر/ أيلول 1959، أثناء عمله على خريطة منطقة دوغو بايزيد، بالمديرية العامة للخرائط.
** سرية التقرير
بعد نشر هذا الاكتشاف بالصحف والمجلات الوطنية بتسعة أشهر، قام أحد أهم خبراء المسح التصويري في العالم البروفيسور آرثر براندنبيرغر، من جامعة أوهايو الأمريكية، والبروفيسور جورج فاندمان من معهد واشنطن للأبحاث الأثرية، وصحفي سويدي، و3 عمال أوروبيين، بزيارة منطقة دوغو بايزيد، لتفقد سفينة نوح بعد الحصول على التراخيص اللازمة من الإدارة العسكرية، وبتمويل من اتحاد الكنائس.
وعلم الوفد الذي ترأسه دوروبينار، من أحد القرويين بالمنطقة، أن هذا الشكل الذي يشبه السفينة، ظهر إثر حدوث إنزلاق أرضي في أحد الحقول.
استمر عمل الوفد في المنطقة 8 أيام، وقام بإعداد تقرير مفصل من 8 صفحات، إلا أنه قدم لدوروبينار تقريرا صوريا من نصف صفحة فقط، وتم أخذ عينات من السفينة وأرسلت إلى المختبر، إلا أن نتائج التحليل ظلت سرية.
** اهتمام “والت ديزني”
كان والت ديزني، مؤسس ديزني لاند في كاليفورنيا عام 1955، من بين من تأثروا بالاكتشاف، فأرسل إلى دوربينار، خطابا يعرض عليه رغبته في إقامة حديقة ألعاب بمفهوم مختلف في دوغو بايزيد، باستثمار تبلغ قيمته 50 مليون دولار.
وقال ديزيني في خطابه “إن النبي نوح، نبي تقبله كل الأديان. وستصبح بلادكم مزارا سياحيا لكل الإنسانية”.
إلا أن حلم ديزني، لم يتحقق بسبب الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تركيا تمر بها في تلك الفترة.
كان شرف التقاط أول صور لسفينة نوح، ونشرها أمام الرأي العام العالمي، من نصيب المصور التركي المعروف أرا غولر، الذي التقط الصور من طائرة عسكرية تم تخصيصها له.
وأجريت أول دراسة علمية حول السفينة بعد اكتشافها بـ 26 سنة، من قبل البروفيسور صالح بايراق توتان، من جامعة أرضروم، بالتعاون مع بعض العلماء من مختبر “لوس آلاموس الوطني”، التابع لجامعة كاليفورنيا، التي تعد أكبر مركز لأبحاث الأرض والفضاء في الولايات المتحدة.
وأدت هذه الأبحاث المدعومة من قبل رئاسة الوزراء، إلى اكتشاف جسم السفينة بواسطة الصور الرادارية لباطن الأرض، وتم إعداد تقرير عنها من 80 صفحة.
وأفاد التقرير، بأن الاحتمال كبير أن يكون الجسم المكتشف في باطن الأرض لسفينة نوح، وأوصى بسرعة بدء أعمال الحفر الأثري قبل حلول فصل الشتاء.
ولم تُجر أبحاث علمية مفصلة بعد هذا التقرير، إلا أنه تم إعلان المكان “منطقة محمية”.
** وثائقي يبحث حقيقة وجود السفينة
بقي موضوع وجود سفينة نوح يثير فضول الجميع لمدة سنوات، حتى ولو لم تُجر دراسات كثيرة حول المكان المكتشف.
وكان بين من حاولوا فك لغز الموضوع، منتج ومصور الأفلام الوثائقية التركي جم سرتاسن، الذي خطرت له فكرة تصوير وثائقي عن سفينة نوح في 10 أغسطس/ آب 1995، عندما رآها أول مرة أثناء زيارته منطقة دوغو بايزيد، لتصوير وثائقي آخر.
استغرق إعداد الفيلم 22 عاما، وأجرى فيه سرتاسن لقاءات مع إلهان دوروبينار، وآرا غولر، ومعزز إيلميا تشيغ.
وتمكن الفيلم من الدخول ضمن أفضل 10 أفلام وثائقية من بين 750، بمسابقة جوائز قناة TRT للأفلام الوثائقية في نسختها التاسعة عام 2017.
كتب سرتاسن حكاية الفيلم الوثائقي مع أركان كوساداغ، نائب مدير إدارة الثقافة والسياحة بولاية أغري.
كما نشر كتابه “سفينة نوح.. اكتشاف القرن”، ثم نشر بعده كتاب “كلنا كنا في نفس السفينة”، وضمنه عددا من التقارير والمقالات العلمية.
وأدى الفيلم الوثائقي الذي صوره سرتاسن، والكتب التي نشرها، إلى إعادة لفت الأنظار للمنطقة من جديد.
** الأناضول تنشر للمرة الأولى صورا للسفينة من باطن الأرض
وشارك سرتاسن، الأناضول صور الدراسة التي تشكل الجزء الأهم من فيلمه الذي يصوره حاليا “سفينة نوح 2”.
ونجح جونس، وهو مهندس حاسوب أيضا، والذي كان يبحث عن سفينة نوح منذ أن كان طالبا بالجامعة، في تسجيل صور ثلاثية الأبعاد للسفينة، بالتعاون مع لارسن.
وبعد أخذ القياسات وإجراء دراسات استمرت 3 سنوات، تم تصوير جسم السفينة تحت الأرض بتقنية ثلاثية الأبعاد.
وقدم العلماء الذين أجروا هذه الدراسة، المعطيات والصور التي حصلوا عليها إلى سرتاسن، كي يستخدمها في فيلمه الوثائقي الثاني.
وفي لقاء صحفي، قال جونس إنه قدم إلى المنطقة عام 2014 برفقة وفد من الولايات المتحدة ونيوزيلندا، وإنهم استخدموا جهازا كهربائيا للكشف عما في باطن الأرض أسفل آثار السفينة.
وشدد على أن الصور التي نشروها ليست محاكاة أو مفبركة، وإنما هي حقيقية مبنية على البيانات التي تظهر السفينة في باطن الأرض.
وأضاف جونس أن أي عالم متخصص في الموضوع يمكنه القيام بالدراسة نفسها، مشيرا أن ما تم تصويره هو جسم لسفينة، إلا أنه لا يزال الوقت مبكرا لتأكيد أنها سفينة نوح.
ولفت أنه لا بد من إجراء دراسات وأبحاث شاملة، وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من قبل الجامعات وبدعم الحكومة التركية.
وفي تصريحات للأناضول حول الدراسة العلمية الأخيرة، قال سرتاسن إن العلماء الأمريكيين والنيوزيلنديين، كشفوا عما في باطن الأرض تحت آثار سفينة نوح، عقب دراسات وأبحاث استمرت 3 سنوات، مشيرا أن الأجانب يولون أهمية خاصة للسفينة.
وأضاف أن العلماء الذين أجروا الدراسة، زرعوا كابلات كهربائية في كل نقطة بأثر سفينة نوح، الذي يبلغ طوله 150 مترا، وعرضه 50 مترا.
وتابع: تم جمع عشرات آلاف المعطيات من خلال إرسال إشارات كهربائية إلى باطن الأرض، وفي النهاية تم الحصول على صور ثلاثية الأبعاد لما يوجد تحت أثر السفينة.
ولفت سرتاسن أن العلماء أجروا هذه الدراسة من أجل حث الأوساط العلمية على الاهتمام بالموضوع.
وأوضح أن عمر طوفان نوح غير معروف بالتحديد، وأن خبراء الجيوفيزيا سيعتمدون في دراساتهم بالمنطقة على أخذ عينات من أثر السفينة، لتحديد عمر النباتات والبذور الموجودة.
وأعرب سرتاسن، عن شغفه وفضوله لمعرفة كل شيء عن سفينة نوح، وما في داخل الشكل الثلاثي الأبعاد الذي تم تصويره، مضيفا أن العلماء ذكروا أن السفينة تتكون من 3 طوابق.
وأكد ضرورة أخذ كافة التدابير اللازمة لمنع حدوث أي انزلاق أرضي بالمنطقة التي تضم أثر السفينة، وضرورة الحفاظ على شكله الحالي.