سياسات مواجهة التضخم

الدكتور محمد أبوحمور*

واجهت مختلف دول العالم خلال العام الماضي تحديات تضخمية، ولا زالت هذه التحديات مستمرة خلال العام الحالي، وعلى المستوى المحلي فقد وصلت نسبة التضخم خلال الربع الأول من هذا العام الى ما يقارب 4%، أما خلال العام الماضي فقد تجاوزت هذا الرقم قليلاً، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى أن البنك المركزي الأردني استطاع عبر الإجراءات التي اتخذها خلال الفترات الماضية أن يحافظ على الاستقرار النقدي وسعر صرف الدينار وكذلك جاذبية الودائع بالدينار الأردني، وهذا ما يفسر جزئياً الحفاظ على نسب التضخم في حدود معقولة.

وتشير التوقعات الى أن الضغوط التضخمية سوف تتواصل خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، وهذا يعني تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار وتراجع مستوى معيشة المواطنين وارتفاع نسب البطالة والفقر، لذلك يقوم البنك المركزي بالموازنة بين سياسات رفع الفائدة باعتبارها الأداة الرئيسية لكبح الطلب مع متطلبات الحفاظ على الوظائف عبر مخصصات تضمن حصول المشاريع الاستثمارية على التمويل بنسب فائدة منخفضة، ولكن الاكتفاء بإجراءات السياسة النقدية لا يبدو كافياً لمواجهة مختلف التحديات المرتبطة بالتضخم، خاصة وأنها ترتبط احياناً مع عوامل خارج نطاق سيطرتها مثل رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة، لذلك فمساهمة السياسات المالية وسياسات الاقتصاد الكلي في هذه المواجهة تبدو ضرورية الى حد كبير، خاصة وانها تخفف الضغوط الناجمة عن رفع أسعار الفائدة، فالسياسات المالية يمكن أن تساهم بفاعلية في التأثير على الطلب أضافة الى العمل على حماية الفئات المحتاجة والضعيفة في المجتمع عبر الدعم الموجه بحصافة وتعزيز شبكات الأمان والسياسات الضريبية التي تراعي الأوضاع الاقتصادية، يضاف لذلك المساعدة على توفير الخدمات للمواطنين وخاصة تلك التي تساهم في زيادة الاستثمار في راس المال البشري مما يمكن الاقتصاد مستقبلاً من تحقيق نمو مستدام، مع مراعاة ضبط الانفاق وتوجيهه نحو الأولويات وتلبية الاحتياجات التنموية.

لغايات انتهاج سياسات كفيلة بالتصدي لآثار التضخم لا بد من تحديد الأسباب والعوامل لهذه الظاهرة، ونظراً لان الأردن يستورد معظم الطاقة وجزء كبير من المواد الغذائية فالمعاناة من التضخم المستورد تشكل ظاهرة واضحة، والتعامل معها من خلال سياسات الحد من الطلب تبدو غير مجدية ولا بد من التفكير في السياسات التي تساهم في رفع العرض، وبالرغم من أن مثل هذه السياسات تتطلب وقتاً أطول لتستطيع التأثير الا انها في أغلب الحالات أكثر جدوى خاصة وانها تؤثر ايجابياً على النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل وتمكن من مجابهة أي تحديات مستقبلية، ولعل أبرز هذه السياسات يتمثل في تشجيع وتحفيز الاستثمار بهدف تعزيز البنية الإنتاجية في الاقتصاد الوطني بما يساهم في تحقيق اعتماد اكبر على الذات ويساعد في تحسين سلاسل الامداد ورفع تنافسية المنتج الاردني، ولا يقتصر الامر على القطاعات الإنتاجية بل يمتد أيضاً لتحسين أداء القطاعات الخدمية وتحسين قدرتها على المنافسة، فالنهوض بهذه القطاعات والاستفادة من الإمكانات الكامنة فيها تشكل إضافة نوعية للاقتصاد الوطني، وفي ذات الاطار يشكل العمل لتحقيق الامن الغذائي وتنويع مصادر الطاقة عوامل أساسية في مثل هذه السياسات.

كما تشكل العلاقة مع الجهات الخارجية عاملاً هاماً في التصدي ليس فقط للمخاطر الناجمة عن التضخم فحسب بل لمواجهة العديد من التحديات الاقتصادية، وهذا يشمل العلاقة مع الدول الشقيقة والصديقة والعلاقة مع مؤسسات التمويل الدولية التي يمكن أن تساهم في توفير مصادر تمويل بسعر فائدة معقول وتشجيع الجهات التنموية الاخرى على تقديم تمويل لمشاريع استثمارية، وهنا لا بد من التنويه بتوسع دور الاقتصادات الناشئة في تقديم التمويل التنموي والمشاركة في المشاريع الاستثمارية.

في الخلاصة يمكن القول إن مواجهة التحديات الناجمة عن التضخم ينبغي ألا تقتصر على السياسات قصيرة الاجل، بل لا بد من تبني حزمة متكاملة من السياسات المتناغمة التي تقلص الاثار السلبية لارتفاع الأسعار وتساهم في تعزيز قواعد التنمية المستدامة وتعزز الاعتماد على الذات في إطار من الاستقرار المالي والنقدي.

*وزير المالية الأسبق

 

زر الذهاب إلى الأعلى