سابقة إسلامية: أردنيّة مَهْرُها “كفالة يتيم”

خاص ل “كرم الإخبارية” – بثينه السراحين

 

” أَنْ كفلناك – في الأمس –  وأودعناك رحمتنا طفلاً ضعيفاً، وأمددنا لك من حنايا عطفنا أجنحة وارفة المدى..فأسدل – اليوم – ظلّها على عبدنا اليتيم شكراً وإمتناناً لواسع رحمتنا.. ورُدّ إلينا ثمرة النعم والعطايا”.. وكأنّ وحياً همس إليه بهذه الكلمات لتأخذه في رحلة مع الذكريات.. ولتنقله بين محطات العمر التي استهلها طفلاً يتيماً، فتتلقفه أيادي القدر الرحيمة إلى أن نضجت سنيّ العمر، وتفتّحت أزاهير الرُّوح لشابٍ يافع أغرقهُ الله بنعم الفضيلة وإستقامة الخلق وغذى عقله وروحه بالعلم والمعرفة والدراية.. وحباه بمحبة الناس وتقديرهم.. وكفاه شرّ الحاجة ومكنه من الرزق الحلال .. هي نعم كانت منذ البدء محفوفة برضا إمرأة صابرة حصّنته بالدّعوات في الليالي المُوحشات “ربِّ إني أَمَتُكَ الضعيفة – وهؤلاء صغاري- أنْ لا حول ولا قوّة لنا إلا بك”.. فأنبلج ليلها وصغارها اليتامى عن صبحٍ نديّ بالآمال والخيرات.

ما سبق، محض تلخيص للحال الذي وجد الشاب أحمد حمزة، نفسه يعايشه حين تقدم الأسبوع الماضي لخطبة “نور العباسي”، ليتفاجأ، بطلبها ” أريد أن يكون مهري كفالة يتيم لمدى الحياة وتلاوة سورة النور”.. ويصف أحمد شعوره :” بصراحة.. صُدِمتْ.. ولكنها بالطبع صدمة مَشوبَة بالفرح .. حيث كنت قد أعددت نفسي لتقديم مهر نقدي لعروس ترغب كسواها من الفتيات بضمانات وحقوق مالية كفلها لها الشرع.. وأمّا أن تتنازل (طوعاً) عن متاع الزواج المادي لتحيي به نفساً أخرى.. فهذا ما أبهرني في شخصيتها التي تفرّدت أيُّما تفرُّد بخصائصها الأخلاقية وعظم تقواها،، وأيقنني من أنني لم أكن لأحظى من دنياي بأفضل من هذه الزوجة التي صدق فيها قول رسولنا الكريم (.. فأظفر بذات الدين تربت يداك)، فهذه الإنسانة التي سأغادر منزلي في الغد – حين تشاركني إياه – وقد إطمأنت روحي بأنني خلفت فيه إمرأة صالحة تُعمّرهُ بأركان الصدق والأمانة والتقوى.. وتُحسن تربية أبنائي وفق مبادئي وديني”.

وكان إختيار “أحمد” وقع منذ البدء على “نور” كزوجةٍ له على خلفية زمالته وشقيقها على مقاعد الدراسة في جامعة العلوم التطبيقية، وما شجّعه على ذلك الإختيار علاقة الصداقة المتميزة التي ربطتهما، وتطورت اليوم لتتخذ شكل المُصاهرة،، وهذا ما يعدُّ تفسيراً منطقياً للثقة الكبيرة التي استشعرتها عائلة “نور” في شخص خاطب إبنتهم لجهة صدق نواياه بتنفيذ تعهده الموثق في عقد القران، والمتمثل بإحالة مهر عروسه لكفالة يتيم لمدى الحياة.. ويلمح إبراهيم العباسي، والد نور بأنّ ” أحمد توافرت فيه معايير الثقة والصدق، حيث نحن نعمل بقول نبينا عليه السلام (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، وبحكم علاقتنا به ومعرفتنا الدقيقة بصفاته، رحّبنا به زوجاً لإبنتنا، طالبين بذلك رضا الله عز وجل، عبر تطبيق وصيّة نبيه الحبيب المصطفى (أقلكنّ مهوراً أكثركنّ بركة)، ومن هنا تولدت رغبة إبنتي بالتصدّق بمهرها لصالح من هُم أمسّ حاجة منها إليه”.

وتفسر نور، قرارها وإختيارها بالتأكيد على أنها (اشترت) رجلاً ولم تنشد مالاً، وفق وصفها. مردفة أنّ :” أحمد استوفى كافة مواصفات الزوج الصالح والمُصلح، ما أهّلهُ لأن يكون بمثابة حُلم أية فتاة تنشد زيجة ناجحة وسعيدة رفقة رجل تطمئن بعيشها معه وسكنها إليه، وكان ذلك كله كافياً لسدّ حاجتي منه، حيث الطمأنينة والإستقرار النفسي هي عماد أي زواج والمُبتغى الأصيل منه. ما حفزني على تحويل مهري  إلى كفالة يتيم لمدى الحياة وتلاوة سورة النور، عسى أن يبارك الله لي وله في زيجتنا ويطرح البركة في حياتنا وأسرتنا المستقبلية، ويحصننا من عثرات الحياة. ناهيك عن أنني رغبت بذلك في أن أتحوّل لقدوة حسنة تقتدي بها الفتيات وأهاليهنّ لجهة التيسيير على الشباب ممن يعانون من تحديات إقتصادية صعبة وضنك عيش حالَ دون تحقيق الكثير منهم لحلمهم بالزواج الآمن والمستقر، حيث غالبيتهم يضطرون للإقتراض والإستدانة في سبيل الزواج؛ ما ينعكس لاحقاً على حياتهم وزوجاتهم سلباً، حدّ أنه قد يؤدي لفشلها أحياناً في غضون شهور من إتمامها”.

وفيما بينت نور أن عريسها قال لها فور معرفته بطبيعة المهر الذي ترغبه ” أنت كبرت في نظري أضعافاً مضاعفة، وبأنّ أهله قالوا لها بسرور” ستظلين بيننا معززة مُكرّمَة كما كنت في منزل والدك”، نجد عريسها أحمد يؤكد قولها بالإشارة إلى أنّ:” محبّة و(معزّة) نور زادت في قلبي كثيراً، بنفس الدرجة التي تضاعف بها إحترامها وأهلها في نظري وأهلي ممّن سَرّهُم الخبر- ليس لأننا سنوفر مالاً – حيث أنا كنتُ قد جهزت نفسي لدفع أيّ مهر مادي ترغب به نور قبل ذهابي لخطبتها، غير أنّ ما لمسته فيها وأهلها من تقوى ورفعة أخلاق أبهرني للغاية، وأراحني نفسياً لجهة أنه مكنني من مدّ يد العون ليتيم هو في أمسّ الحاجة لمن يسانده ويرعاه، ولهذا إتفقت وزوجتي المستقبلية (نور) على كفالة يتيم حتى يبلغ سنّ الرشد، ومن ثم التحول لكفالة يتيم آخر وهكذا دواليك مدى العمر،، وأسأل الله أن يمكننا من ذلك، حيث لا سقف مادي نضعه للكفالة التي قررنا أن تكون كفيلة بتغطية كافة إحتياجات اليتيم وبما لا يترك لديه أي حاجة مادية لدى أية جهة أخرى سوانا”.

وتنطبق على “نور” كافة مواصفات العروس المثالية، حيث لا زالت فتاة في مقتبل العمر (22) عاماً، وتحظى بقدرٍ عالٍ من الجمال والأخلاق الرفيعة المشهود لها بها في محيطها الإجتماعي، ناهيك عن كونها فتاة جامعية (صيدلانيّة) تنتمي لأسرة ميسورة الحال.. كل هذه عوامل كفيلة بردّ أية تفسيرات مغلوطة لتنازلها عن مهرها لصالح يتيم هو أشدّ ما يكون بحاجة له.. ويبين والدها أبو أحمد:” لم يفت إبنتي قطار الزواج كما أنني لست بعاجز عن الإنفاق عليها، حيث أنا والحمد لله أعمل في السعودية ولديّ دخل مادي جيد، ولا أبخل على أبنائي بشيء من المحبة والرعاية والمال، غير أنّ ما ننشده من مطلبنا هذا (إحالة المهر لكفالة يتيم)، هو تشكيل أنموذج وسُنّة حسنة مُحفّزة على تخفيف عبء الزواج عن شبابنا مما يعاني الأمرّين جراء تكاليفه الباهظة، وهؤلاء يكابد الكثير منهم صعوبات تشكيل أسرة بسبب العراقيل المادية التي تضعها الأسر في طريقهم حال فكروا في خطبة بناتها”.

حالة من التفاعل الشديد والإنبهار اتسعت دائرته عقب الإعلان عن ماهيّة مهر (نور)، وهو بالمناسبة سابقة إسلامية، حيث نالت الفكرة، حسب العريس أحمد، إهتماماً واسعاً في الشبكة العنكبوتية، فيما شدّد حماه العباسي على أن “الفكرة وفور أن طرحتها علينا نور لقيت مباركة مني وأهلي والأقارب عموماً، بل إنني تلقيت إتصالات من أصدقاء يقيمون في الخارج يثمنون الفكرة ويباركونها، وأنا على ثقة بأنّ أحمد جادّ في تطبيقها، لأمور تتعلق بظرفه الخاص كشاب نشأ أصلاً في ظل اليتم من جهة الأب، وهذا سيشكل حافزاً معنوياً لدفعه إلى الإلتزام بتعهّده، بل إنني لن أمانع في أية لحظة بمساعدته على تنفيذه إن لم يجد في نفسه طاقة على ذلك، علماً بانني واثق من مقدرته على الوفاء به، كونه أثبت تفوقه وعصاميته في تشكيل تجربته الحياتيّة، حيث بنى نفسه بنفسه ونجح في تطوير ذاته وتشكيل شبكة علاقات ممتازة في محيطه العملي والإجتماعي، وأنا فخور به وهو من زاوج ما بين عمله ودراسته لإدارة الأعمال، ونجح في الحصول على وظيفة جيدة، فيما يجتهد حالياً في إستكمال دراساته العليا”.

.. ويبقى لنا رأي،، بأنّ هذه صورة مغايرة ومشرقة في آن إتفق جميع أقطابها على أنّها محاولة لنيل “البركة” وإكتساب الأجر والثواب ووسيلة ناجعة لمواجهة ظاهرة غلاء المهور وتفاقم نسب العنوسة في أوساط الشباب؛ تأسيساً على قلة الوعي والهوس بالمظهريّة وبريقها الخادع.. فهل من مُعتبرٍ يدلف باب الرّشاد الذي شرعَ مصراعيه هؤلاء العقلاء؟!.

hamz-ww2.jpg

hamz-ww3.jpg

hamz-ww4.jpg

hamz-ww5.jpg

hamz-ww6.jpg

hamz-ww7.jpg

hamz-ww8.jpg

hamz-ww9.jpg

hamz-ww1.jpg

 

زر الذهاب إلى الأعلى