ربط الناطقين بوزير الإعلام: توحيد للرواية أم تضييق على المعلومة؟
فيما أثارت إشارات رسمية صدرت مؤخرا عن توجه لربط الناطقين الإعلاميين الحكوميين بوزير الدولة لشؤون الإعلام، تساؤلات عن دوافع هذا التوجه لجهة “التضييق على المعلومة” أو “توحيد الرواية الرسمية”، طالب متخصصون بالشأن الإعلامي، بأن يكون الناطق الإعلامي أمينا في نقل المعلومة للجمهور، وألا يتعامل معها على نحو شخصي”.
وأوضحوا في تصريحات لـ”الغد”، أن الناطق الإعلامي الرسمي يجب “ألا يخضع في تصريحاته لأي مؤثرات خارجية تعمل على تغيير المعلومة والوقائع لديه”.
وكان وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، صخر دودين، أشار مؤخرا إلى أن هناك توجهاً لربط الناطقين الإعلاميين في الوزارات والمؤسسات بوزير الدولة لشؤون الإعلام فنيا، لتوحيد الرواية الرسمية للحكومة لاسيما في المواضيع التي تتعلق بالسياسة العامة للدولة.
وفي هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، إنه “يجب التمييز بين قضيتين، الأولى التي تخص تدفق المعلومات للجمهور والإعلام، وهذه المعلومات يجب أن تتسم بالصدقية والتعبير عن الواقع، والقضية الثانية حول أن تكون هناك رواية للحكومة للتعليق على ما يحدث استنادا للمعلومات”.
وأوضح منصور، أن “من حق الحكومة أن تعلق على الرواية كما تريد، وأن توحدها مثلما تريد، لكنها ستخضع لاختبار المصداقية وستحاكمها وسائل الإعلام بطريقة التقصي والبحث وهذا حقها”.
ولفت إلى أن المشكلة “ليست في الحديث عن بعض التفاصيل الفنية لتوحيد الرواية الحكومية”، مشيرا إلى أنه “لا توجد رواية حكومية ولا يوجد ناطقون رسميون، خاصة في القضايا المفصلية التي تشغل بال الناس”.
وأضاف منصور أن الأردن “خضع في الأشهر الماضية لسلسلة من الأحداث كانت الحكومة غائبة في روايتها وكان الإعلام الأردني صامتا مجبرا على السكوت بقوانين مقيدة، وهذا ما أضعفه وأبعد الجمهور عنه وذهب الناس إلى مصادر أخرى خارج البلاد لاستقاء المعلومات”.
وطالب بضرورة أن “تكون لدى الناطقين الرسميين الصلاحية والمهارات والخبرة والمعلومة والمعرفة ليقدموها للإعلام، وإن غابت فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر”.
بدوره، اشترط أستاذ الإعلام نائب رئيس جامعة البترا، الدكتور تيسير أبو عرجة، ربط الناطقين الإعلاميين الرسميين بوزير الدولة لشؤون الإعلام، لجهة دقة المعلومة والتأكد من سلامتها، وأن يكون كل ذلك في إطار السياسة العامة للدولة، قائلا بأنه إن تحقق هذا الشرط فليس في الأمر “خروجا على مسائل حرية التعبير والإفصاح”.
وأضاف أبو عرجة، أنه “وبشكل علمي، فإن الناطق الإعلامي يقوم بعمل رسمي وليس بعمل شخصي، وهو لا يخوض معارك شخصية عندما يتحدث باسم مؤسسته، وعليه توضيح مناهجها ومشاريعها، وأن يكون متمكنا من ناحية الحضور الإعلامي وفهم آلية الإعلام وآلية العمل مع الجمهور ووسائل الإعلام، وكيف يطرح القضية ويجيب عن السؤال”.
وشدد على اهمية أن تكون الرواية الرسمية “موحدة وليست متشعبة”، مبينا أن على الناطق الرسمي الالتزام والوعي برواية الدولة.
إلى ذلك، أكد الناطق الرسمي الأسبق باسم وزارة الصحة، حاتم الأزرعي، أن “الرواية الرسمية يجب أن تكون موحدة، وتعكس وجهة نظر الحكومة، وبالتالي يجب أن تكون رواية موضوعية وصادقة وأمينة”.
وأضاف الأزرعي أنه “لا ضير من أن يرتبط الناطقون الإعلاميون في الوزارات والمؤسسات فنيا مع وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، على أن يكون ذلك في خدمة الرواية الرسمية التي يفترض جدلا أنها تمثل الحكومة بجميع مؤسساتها ووزاراتها لغايات تنظيمية، وأن يكون للناطق الرسمي باسم الوزارة استقلالية وحرية في التعبير عن الرواية التي تمس وزارته أو مؤسسته من دون تأثيرات خارجية، لاعتبارات سياسية قد تغير في مضمون الرواية وبالتالي عدم مصداقيتها”.
وأشار إلى إمكانية إحجام الناطق الإعلامي عن ذكر بعض الوقائع أحيانا، لأن ذلك “يعتبر أفضل كثيرا من تزوير الواقعة أو تغييرها” حسب قوله.
وأضاف الأزرعي: “خلال عملي ناطقا إعلاميا في وزارة الصحة لأكثر من 15 عاما، كان هناك شكل من أشكال التنسيق والتواصل مع الدائرة الإعلامية في رئاسة الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة، من دون أن يمس ذلك أصول عمل الناطق الإعلامي وجوهر ومضمون وتوقيت الرسائل التي يبثها للجمهور”، معتبرا أن ذلك يعد شكلا “مقبولا ومطلوبا على مستوى التنسيق الحكومي”.
وتساءل حول شكل الربط المطلوب حاليا: “كيف سيطبق على أرض الواقع، وهل يخدم المصالح الوطنية العليا، أم أنه سيكون وسيلة من وسائل التقييد للناطق الإعلامي؟”، مؤكدا أن ذلك “لا يخدم الوطن وقضايا المواطن”.
ولفت الأزرعي إلى تجربة رائدة حصلت في السنوات القليلة الماضية، حين تم تشكيل لجنة استشارية يرأسها وزير الدولة لشؤون الإعلام تضم مجموعة مختارة من الناطقين الإعلاميين من مختلف الوزارات والمؤسسات الرسمية للعمل في إطار الرسالة الإعلامية الموحدة للحكومة، والتي جاءت عقب كارثة البحر الميت التي كشفت عن حالة من الفوضى الإعلامية الرسمية.
وطالب بضرورة “توفير رسالة إعلامية رسمية موحدة موضوعية وصادقة، خير من تعدد الرسائل وتشتتها، والتي تربك المتلقي وتخلق حالة من الضبابية والشك لديه، وبالتالي تفقد الرسالة الإعلامية أهم مقوماتها”.