رؤية التحديث الاقتصادي واستحداث فرص العمل المستقبلية

بقلم: الدكتور محمد أبو حمور*

تهدف رؤية التحديث الاقتصادي الى استحداث مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر القادمة، أي بمعدل مئة ألف فرصة سنوياً، وفي ظل المؤشرات الاقتصادية المستهدفة يبدو أن تحقيق هذا الطموح خلال العام الحالي مستبعد، خاصة وأن مؤسسات القطاع الخاص أيضاً لا زالت في بداية التعافي من الاثار التي نجمت عن جائحة كورونا وما تمخض عن الحرب الروسية الأوكرانية من صعوبات أضافة للتضخم وما ترتب عليه من رفع لأسعار الفوائد، ومن البديهي أن توفير فرص العمل يتطلب استحداث مشاريع تنموية والتوسع في جذب وتحفيز الاستثمارات، مما يستدعي بذل مزيد من الجهود لتنفيذ برامج ومشاريع رؤية التحديث الاقتصادي، والتنسيق مع القطاع الخاص للنهوض بالاقتصاد ورفع نسبة النمو.

التفكير في خلق فرص العمل لاستيعاب النمو الطبيعي في أعداد الباحثين عن عمل ولتقليص نسب البطالة الحالية التي تجاوزت 22% لا بد أن يستند الى فهم عميق للتغيرات التكنولوجية والانماط المستحدثة مثل الوظائف المرتبطة بتغير المناخ والاقتصاد الأخضر وضرورات رفع مستوى مشاركة المرأة في سوق العمل والتحولات في المشهد الاقتصادي والاجتماعي، والتركيز يجب أن يكون موجهاً نحو توفير فرص عمل ذات مردود وأثر إيجابي على حياة الافراد وترفع إنتاجية الاقتصاد الوطني بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
وفي هذا الاطار ولأن رؤية التحديث الاقتصادي تمتد لفترة زمنية طويلة نسبياً فلا بد لنا من التفكير ملياً بكيفية تحقيق الأهداف المستقبلية في مجال توليد فرص العمل، ولا يخفى أن العالم شهد وسوف يشهد خلال السنوات القادمة تطورات مثيرة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، وسوف يترتب على ذلك تغيرات في المهن وأنماط التوظيف والتشغيل، ففي نفس الوقت الذي قد نشهد فيه يه اندثار بعض المهن والوظائف سوف تبرز مهن وتخصصات لم تكن موجودة حتى وقت قريب قد لا نستطيع تحديد حجمها ودورها المستقبلي بشكل واضح ومؤكد، ولكنها سوف تتطلب مهارات ومعارف مستجدة لا بد من العمل للحصول عليها للتمكن من التأقلم مع ذلك، وهذا سيفتح افاق جديدة للابتكار والابداع والريادة ، وتلعب التكنولوجيا المتطورة والمستحدثة دوراً اساسياً فقد ساهمت في تطوير وتحسين القدرات البشرية وسهلت الحصول على المعرفة ، كما أتاحت الاستغناء عن القوى البشرية أو تقليص الحاجة لها وساهمت في تخفيض الجهد الذي يبذله العاملون في العديد من المجالات، واليوم لا بد لنا من قراءة هذا المشهد بدرجة عالية من الوعي والموضوعية، مع ادراك حجم التحديات والفرص المترتبة على ذلك، لكي لا يفوتنا الركب فالانتظار وعدم مواكبة المتغيرات لا تقود الا الى مزيد من المصاعب.

هناك تغير مستمر ومتسارع في طبيعة العمل وهناك العديد من النقاشات حول ذلك ولكن نستطيع التأكيد بان فرص العمل المستقبلية تحتاج الى جهد وطني ليس فقط من القطاعين العام والخاص بل ومن الأشخاص الذين سيدخلون سوق العمل مستقبلاً أو ممن يعملون حالياً فالتطور التكنولوجي سيضطرهم الى التعامل مع ظروف مستجدة تعتمد على المهارات والمعرفة التي تمكن من التأقلم مع التغيير والتحديث مما يتيح الاستفادة من الفرص المتاحة ومواجهة أي تحديات مستقبلية، وبما يمكن القوى البشرية الأردنية من استغلال الفرص المتاحة ليس فقط على المستوى المحلي بل وفي الأسواق الخارجية أيضاً، ويتمثل التحدي الرئيسي في تزويد الباحثين عن عمل بالمهارات المناسبة وحتى بعض الوظائف والمهن الحالية التي سوف تستمر في المستقبل سوف تشهد تغيرات تحتم اكتساب مهارات جديدة لتأديتها بما يتوافق والمعايير المستقبلية ، فالتقنية والتطورات التكنولوجية تؤثر وكما كان ذلك عبر الفترات الزمنية الماضية باندثار وظائف وظهور أخرى مستحدثة، وعلى العاملين أن يطوروا مهاراتهم وقدراتهم بشكل دائم ومستمر كي يبقوا في سوق العمل ولا يفقدوا مهنهم ووظائفهم، وهذه المهارات جزء منها ذاتي واخر تقني وتحتاج الى تفصيل لاحق.

*وزير المالية الأسبق

زر الذهاب إلى الأعلى