ذيبان.. عبق “التاريخ” ودهشة المكان (صور)
كرم الإخبارية – خاص – كتابة وتصوير : وسام نصر الله
“هنا هُزم “العبرانيون” وطردوا من المنطقة على يد الملك ميشع، الذي أقام فيها عاصمة لمملكته “مؤاب”، قبل حوالي 3 آلاف عام، امتدت حدودها من وادي الحسا جنوبا وحتى “حسبان” في مادبا”.. بتلك الكلمات يحدثنا مدير آثار مادبا خالد الهواري، ونحن نصعد “تل ذيبان” الأثري، عن تاريخ لواء ذيبان وأهميته الحضارية والأثرية.
“ذيبان” المعروفة عند المؤابيين باسم “ديبون”، تقع في محافظة مادبا على بعد 70 كيلومترا جنوب العاصمة عمان، وتؤكد التنقيبات الأثرية أن المنطقة تعاقبت عليها العديد من، الحضارات القديمة على مدار 5 آلاف عام.
ويؤكد “الهواري” خلال جولة نظمتها هيئة تنشيط السياحة، لعدد من وسائل الإعلام في لواء ذيبان، بأن التنقيبات الأثرية أثبتت أن المنطقة كانت مؤهلة بالإستيطان البشري منذ حوالي 3 آلاف عام ق.م ، حيث تم اكتشاف سور المدينة الذي يعود لهذا العصر، مشيرا إلى أن “ذيبان” كانت إحدى محطات الطريق السلطاني، كما أنه ورد ذكرها في العديد من المصادر التاريخية كحجر ميشع والكتاب المقدس.
قصر الملك ميشع
وفي حديثه عن قصر الملك ميشع في “تل ذيبان”، يقول الهواري: “لقد تم اكتشاف جزء من القصر الذي يعتقد انه يعود للملك ميشع الشهير، كما تم العثور على أجزاء من الجدران الدفاعية التي ترجع الى تلك الحقبة، وكذلك المعبد المؤابي الذي أقيم على أنقاضه المعبد النبطي”.
مسلة ميشع
ومن أبرز المكتشفات في “تل ذيبان” مسلة الملك ميشع المشهورة، والتي اشتراها مستشرق فرنسي عام 1868 م، وسافر بها إلى العاصمة باريس، ووضعها في متحف “اللوفر”، تلك “المسلة” التي يقول عنها “الهواري” انها من المصادر التاريخية المهمة، التي تتحدث عن انتصارات الملك ميشع على ملك العبرانيين آحاب بن عمري بعد سيطرته ونجله على أرض مؤاب.
ويقول الهواري: “إن مسلة ميشع عبارة عن نقش تذكاري يعود إلى 835 ق. م، ويبلغ طوله 92 سم وعرضه تقريبا 57 سم، وهو عبارة عن حجر بازلتي نقش عليه ما يقارب الأربعة والثلاثين سطرا باللغة المؤابية، ويحتوي على الأعمال التي قام بها الملك المؤابي ميشع بن كموش الديباني، حيث أن هذه الأعمال معظمها أعمال عسكرية ضد “العبرانيين”، فيذكر فيها أنه قام بتحرير الكثير من المدن والقرى المؤابية من السيطرة “العبرانية” بالإضافة الى ذكره للتعليمات التي وجهها إلى شعبه بخصوص الحصاد المائي حيث أمر السكان بأن يحفر كل شخص بئرا في بيته”.
المعبد النبطي
ومن خلال التجول في تل ذيبان الأثري، الذي تبلغ مساحته 150 دونما، سلط “الهواري” الضوء على الاكتشافات الأثرية المهمة الأخرى في الموقع، والتي منها المعبد النبطي الضخم الذي كرس لعبادة الآلهة “ذوى الشرى”، في عهد “الأنباط”، مشيرا إلى أن ذيبان كانت في الفترة الرومانية والبيزنطية، مدينة متكاملة حيث اكتشفت دائرة الآثار العامة حماما رومانيا يتشابه مع الحمامات الرومانية الموجودة في جرش وروما.
الضريح الروماني
وعلى مقربة من “تل ذيبان” يقع مبنى الضريح الروماني، المنحوت في الصخر، والذي يقع في الجهة الشرقية من التل الأثري، ويعد من أبرز المكتشفات الأثرية في الموقع خلال العهد الروماني، ويتكون من غرفة مركزية ذات بناء محكم بحجارة مشذبة وسقف مقبب، ويتم عبرها الدخول إلى باقي غرف الضريح الثلاث، المخصصة للدفن داخل توابيت حجرية.
وحول غرف “الضريح” وتكوينها، يقول الهواري: “إن هذه الغرف أو الدهاليز نحتت بالصخر، حيث يبلغ أطولها حوالي ثمانية عشر مترا، بينما بعضها يتراوح طوله بين 3 إلى 4 أمتار”. موضحا أن هذا الضريح يعود الى القرن الثاني أو الثالث الميلادي، حيث كانت “ذيبان” عبارة عن مقاطعة رومانية تتواجد فيها حامية عسكرية.
تل عراعر ومطل الموجب
وعلى بعد 5 كم من ذيبان، كانت محطتنا التالية في موقع تل عراعر الأثري، وصخرة ذيبان الشهيرة، حيث الإطلالة الخلابة والساحرة على كامل وادي الموجب وسد الموجب، ذلك التل الذي ذكره الملك ميشع في مسلته ، قائلا عنه: “أنا بنيت عراعر وأنا مهدت الطريق الى أرنون” “، و “أرنون” هو وادي الموجب الذي يفصل بين محافظتي مادبا والكرك.
وفي مطل الموجب، الذي يشرف على الوديان العميقة، كانت الدهشة حاضرة عبر تأمل الانحناءات الطبيعية الصعبة، والتضاريس الجبلية القاسية، التي تأخذ الزائر إلى سحر المكان، خاصة في لحظة الغروب، التي يأتي للاستمتاع بها الكثير من رواد المطل من أردنيين وسياح عرب وأجانب.
مركز زوار تل ذيبان
وفيما يتعلق بمركز زوار “تل ذيبان” الذي ما يزال قيد الإنشاء والبناء، يقول “الهواري”: “من المتوقع الإنتهاء من أعمال بناء “المركز” الذي وضعت مخططاته وزارة السياحة والآثار، بحلول عام 2023، وهو سيضم قاعات للإستعلام واستقبال الزوار والسياح، كما أنه سيحتوي على مكاتب ل”الآثار” و”السياحة”، وكذلك قاعة لعرض القطع واللقى الأثرية المكتشفة في الموقع، بالإضافة إلى بناء مرافق صحية”.
“ذيبان الجمال والتاريخ”
وكنا قد التقينا، في بداية الجولة مع الناشط يزيد خروب، في مركز شباب ذيبان النموذجي التابع لوزارة الشباب، الذي قدم لوسائل الإعلام، نبذة تعريفية عن اللواء وأهميته، متحدثا عن مبادرة “ذيبان الجمال والتاريخ”، والتي أسسها مع مجموعة من شبان المنطقة قبل نحو عام، بالتشبيك مع هيئة تنشيط السياحة، ويقول: “لقد تأسست المبادرة، بتاريخ 24-8-2020، من قبل مجموعة من شبان “ذيبان”، بهدف وضع المنطقة على خارطة السياحة، والعمل على تسويق المناطق السياحية، وكذلك المنتج التراثي والسياحي للسكان المحليين”.
ويسهب “خروب” في الحديث عن أهداف المبادرة، التي يشير إلى أنها تمتد على 4 مراحل، حتى عام 2025، مبينا أن المرحلة الأولى انتهت بنسبة نجاح عالية، وكانت تقوم بالأساس على البحث والدراسة لتوثيق تاريخ “ذيبان” وأبرز المعالم الأثرية فيها، مع رصد لأبرز المعيقات التي تواجه القطاع السياحي، ورفع الحلول والمقترحات لهيئة تنشيط السياحة ووزارة السياحة.
وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية من “المبادرة”، يوضح “خروب” أنه تم تشكيل فريق تطوعي من شباب “ذيبان” تكون مهمتهم الإهتمام بالمناطق السياحية في المنطقة، ومساعدة الزوار والمجموعات السياحية للوصول إلى أهدافها.
أما المرحلة الثالثة، فيقول عنها خروب: “ستكون هذه المرحلة في عام 2023، بالتزامن مع افتتاح مركز لواء ذيبان، وجاهزية المنطقة لاستقبال السياح، والعمل على إعداد التجارب السياحية، وتوثيقها على مواقع السياحة والسفر.
المسارات السياحية
وحول المرحلة الرابعة، يبين “خروب” أنها ستركز على المسارات السياحية، حيث عملت وزارة السياحة على رسم تلك المسارات وتوثيقها.
وفي حديثه عن أبرز المسارات السياحية في ذيبان، يقول “خروب”: “إن تلك المسارات التي رسمت من قبل وزارة السياحة، ستهتم بالجوانب الطبيعية والمغامرات والتأمل، حيث الإطلالات الخلابة التي يتخللها الممرات المائية، الممتدة عبر وادي الموجب ووادي الهيدان، فمسار ذيبان السياحي الذي يمتد على مسافة 15 كم، يبدأ من مركز زوار ذيبان، وينتهي عند مقام الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، وما يتخلله من ممرات مائية، عبر الوديان، وإطلالات على جبل شيحان في الكرك، والبحر الميت “.