دماء رخيصة في المسجد البعيد

دماء رخيصة في المسجد البعيد…. هذا ليس عنواناً لفيلم سينمائي او لرواية بوليسية، إنما لحادث هز العالم كله إلا العالم الذي تنتمي اليه هذه الدماء البريئة. لن اخوض في تفاصيل الجريمة التي جرت اليوم وسقط جرّائها اكثر من مائه شخص بين قتيل وجريح،وتفاصيلها تابعها الكون كله. في شهر ديسمبر الماضي خرج الآلاف من المتطرفين البلجيك في شوارع بروكسيل يطالبون بتكنيس البلد من القمامة السوداء وكانت جموعهم تصرخ آوت آوت، كان كل هذا على مسمع الحكومة وأمنها الذي وقف بالطرقات ليمنع اي تجاوزات، وفي الحقيقة كان ليمنع صدامهم مع شباب الجيل الثالث من المهاجرين والذين ساتطرق اليهم لاحقاً. هذه بالطبع لم تكن البدايه فقد سبقها مسيرات كثيره لم تكن باهمية مسيرة ديسمبر ولا مسيره احتجاج الهوليجانس التي تلت احداث تفجيرات مطار بروكسيل ومترو مولينبيك التي قام بهما تنظيم داعش، هذا عن بلجيكا حيث لا يعتبر فيها اليمين المتطرف فاعلاً كما هو في فرنسا أو ايطاليا وبولندا، فاليمين هناك يشكل خطراً حقيقياً رغم انه لم تجري احداث او جرائم ضد المهاجرين والمكونات الاسلاميه في تلك البلاد، بينما حدثت في بلاد وادعه و بعيدة عن أي احتمال لوقوع جريمة ضد المهاجرين، كما حدث في النرويج عندما قام المتطرف انديرس بيهرنج بقتل 76شخص وبدافع عنصري وديني كما جاء في اعترافه. لنقف قليلاً على وجه الشبه والاختلاف بين الجريمتين، فبالرغم من أن ضحايا جريمة النرويج كانت بحق مواطنيها من مواطنها وليست ضد الاجانب، جريمة نيوزيلاند جاءت بحق اناس مسالمون ابرياء من الجالية المسلمه هناك، والقاتل استرالي المولد والجنسية، القاتل الاسترالي استخدم اسلحة كتب عليها بعض الاسماء لقادة قادو معارك ضد المسلمين وانتصروا عليهم، ومن بين الأسماء اسم القاتل النرويجي الملهم للقاتل الاسترالي وكلاهما استخدم الانترنت والفيسبوك في نشر تهديداته وتويتر ايضاً، قاتل نيوزيلاند نشر اكثر من سبعين صفحة كتب بهما معلومات عن العرق الأبيض وعن معارك المسلمين وجرائمهم على حد تعبيره وكتب عن اشخاص استراليين وغيرهم ممن تعرضوا للقتل او السرقه او العنف وغيره على ايدي المهاجرين المسلمين. وكتب عن رؤيته في تطهير الشر من العالم في حال زوال الاسلام من على الارض والقضاء على داعش. انديرس النرويجي الملهم لبرانت الاسترالي كان ايضا قد استخدم الانترنت في تهديداته التي كان يرسلها للحكومة في بلده ولوزرائها وكان يكتب كثيراً عن خطر الاسلام والمسلمين وكان يكتب بفخر عن الحروب الصليبيه وانتصاراتهم، وتحدث اكثر من مرة عن اعجابه بالسياسي الهولندي البارز خيرت فيلدرز صاحب فيلم فتنه الذي بثه لتشويه صورة الاسلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام،. القاتل انديرس كان تحت المراقبه كما هو حال برانت الاسترالي الذي نوه ايضاً الى انتصارات الصليبيين وسحقهم للمسلمين . اذن القصة لا تقف عند جريمة او جريمتين او ثلاثة هنا او هناك على يد برانت او انديرس.. القصة في الفكرة التي ولدت بأساس ديني بحت وها هي تنتشر بين اجيال ودول مختلفة منبتها الحقد الأسود والدفين في الصدور على تاريخ وصراع بين ديانات وليس اختلاف ألاوان هذا أبيض وهذا أسود الا حجه واهيه . بقي ان أنوه الى المفصل الأخطر في الحادثتين هو الرساله التي حملتها الجريمة الاولى والتي أدت الى الجريمة الثانيه الأسوأ والأبشع في كونها كانت تصوير حي ومباشر ورساله للعالم اليميني المتطرف في مختلف بؤر التطرف في العالم، الرسالة حتما وصلت ووجدت ضالتها بين الشباب تحديداً، والمتطرف الذي كان يخشى الظهور بين الناس بات لديه جرعة شجاعة يباهي بها ويفاخر بيمينيته ومن منظور وطني بحت ايضاً وهنا يكمن الخطر الحقيقي، وحين تجد الفكره حاضنه حقيقيه قادرة على تنفيذها في ظل تقاعس الحكومات والامن اللذان ايضاً يريدان كسب اليمين وأصواته للبقاء على قيد الحياة السياسية فتغمض العيون كما حدث في الجريمتين ، بقي ان اتحدث عن دور الحكومة واجهزتها الأمنية في منع مثل هذه الجرائم، في جريمة النرويج القاتل انتظر نصف ساعه بعد جريمته ودخن سيجارتين وشرب وسمع موسيقى بانتظار الشرطه، وقاتل نيوزيلانده احتاج اكثر من ثلث ساعه لتنفيذ جريمته ومركز الأمن لا يبعد اكثر من كيلومتر ونصف عن مسرح الجريمة وهذا الأمر هو من يزيد من حجم التطرف في اوساط المهاجرين لأنهم حتما ستكون ردة فعلهم سلبية وعدوانيه تجاه من يفكر ان يعبث بحياتهم خاصه الجيل الثالث والرابع ممن فقدوا هويتهم ،فهم في بلادهم يعاملون على انهم اوروبيون وفي الغرب يعاملوا حسب جنيتهم الاصلية،فانكفأو على معادات المجتمع الذي استثناهم وانتقص من حقوقهم، فلجأوا الى العنف وسهلت مهمة استقطابهم من داعش وهذا ما حدث فعلاً، وقاموا ما قاموا به من جرائم ، وقدموا بافعالهم هدايا لم يكن يحلم بها اليمين في اوروبا. الرسالة في جريمة نيوزيلاند رسالة خطيرة جداً ويجب ان تؤخذ على محل الجد والاحتياط بايجاد وسائل وطرق لتفادي مخاطرها على الجميع غرباً وشرقاً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى