دراما رمضان.. هل أسقطت أزمات نفسية على أطفالنا؟

ضجت الشاشة الصغيرة في شهر رمضان المبارك بالكثير من المسلسلات التي تحتوي على مشاهد العنف والقتل والسرقة والظلم، كما افتقدت بعضها للقيم الإنسانية والأسرية المهمة، والتي تعكس عمق الترابط والتماسك بين الإخوة والأقارب والناس بشكل عام.
وقد حظيت هذه المسلسلات بمشاهدة عالية وخاصة من قبل فئة الأطفال الذين أجبروا على المكوث في البيوت فترات طويلة بسبب الحجر المنزل، وتفشي فيروس كورونا وانقطاعهم عن المدارس؛ إذ إن ذلك كله أثر وبشكل كبير على نفسيتهم، لكونهم مضطرين لمتابعة أكثر من مسلسل في اليوم، بسبب جلوسهم الطويل مع والديهم.
عدم قدرة الأطفال على تحليل الأحداث بطريقة منطقية وواعية، كالكبار، يجعلهم حتما غير مدركين لحقيقة ما ينفعهم أو يضرهم من تلك التصرفات التي يلجؤون لتقليدها تأثرا منهم بشخصيات المسلسل المفضل لديهم، لدرجة أنهم يدققون في أبسط التفاصيل ويصغون للأحداث بكل حواسهم.
ولأن المسلسلات تعتبر جزءا من الثقافة العامة، ويكون فيها البطل إما ظالما أو مظلوما جلادا أو ضحية، فإن نظرة الطفل للبطل تكون خالية من التحليل والفهم، ويتماهى مع البطل، فيصبح كل تصرف يقوم به البطل محل تقدير وإعجاب، وبالتالي يتبنى الطفل كل تصرفاته على أنها هي الحق وهي الصواب.
الثلاثينية دارين خالد تجد أن ابنتها ذات التسع سنوات بدأت تتغير شخصيتها تدريجيا، مرجعة السبب في ذلك إلى سهرها طوال الليل أمام شاشة التلفاز ومتابعتها لأربعة مسلسلات، الأمر الذي أخذ ينعكس عليها سلبا، ويظهر جليا في تصرفاتها مع إخوتها ومعها هي شخصيا.
تقول دارين إن صعوبة الوضع الذي يعيشه الجميع نتيجة انتشار فيروس كورونا، والتزام الحجر المنزلي جعلتها تتساهل مع أطفالها كثيرا في مسألة مشاهدة التلفاز باعتباره تقريبا الوسيلة الوحيدة لتسليتهم.
وتبين أن ابنتها باتت عنيفة جدا وعصبية، ولم تعد تسمع كلامها نهائيا، كما أنها أصبحت أكثر انطواء، ترفض اللعب مع صديقاتها، بالإضافة إلى أن كلامها كله لم يكن يخرج عن دائرة المسلسلات التي تشاهدها وتقليد الممثلين، بل باتت متأثرة جدا بتصرفات إحدى البطلات رغم أن تصرفاتها منافية للقيم والأخلاق، مشيرة إلى أنها بدأت تشعر بالخوف كثيرا على ابنتها، وتحاول مراقبتها دائما، والتقليل من ساعات مشاهدتها للتلفاز.
أما الطفل زيد الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، فهو أيضا تأثر كثيرا بما كان يشاهده من مسلسلات في شهر رمضان، زيد وبشهادة والديه لم يعد يضحك كما كان في السابق، بل أصبح يميل للحزن.. ويتساءل ببراءة: “ممكن الإخوان يقتلوا بعض بس لحتى ياخذوا الفلوس”.
خوف أهله عليه وقلقهم من وضعه النفسي، وأن هناك أمر ما يضايقه، دفع والديه للتحدث معه وسؤاله عن سبب حزنه ووحدته، وهنا كانت الصدمة عندما سألهما مرة أخرى والدموع تملأ عينيه البريئتين: “هل أخي ممكن أن يقتلني لما أكبر؟”.
لم يكن باستطاعة الوالدين في تلك اللحظة، إلا أن يتمالكا أعصابهما ويستوعبا طفلهما جيدا مع محاولة جادة لتهدئته وطمأنته وإشعاره بالأمان من خلال حديثهما معه بهدوء عن المحبة التي تجمع بينه وبين أخيه، والشرح له قدر الإمكان أن ما يشاهده هو فقط مسلسل، بالإضافة إلى مساعدته للتفريق بين الخير والشر، الخيال والواقع.
وترى الأخصائية النفسية أسماء طوقان أن الكثير من الأطفال، وخاصة في سن السادسة وما فوق، يفضلون مشاهدة المسلسلات أكثر من برامج الكرتون المخصصة لهم.
وتعلل طوقان، السبب في ذلك يعود إلى جو الأسرة واجتماع جميع أفرادها لمشاهدة المسلسل المفضل لديهم كبارا وصغارا أو شخص يحبه الطفل من العائلة كالأم أو الأب أو أحد الإخوة، فيرغب الطفل في مشاركته بأن يشاهد المسلسل، فهو يعتبر ذلك تعبيرا للحب حسب منظوره البسيط أو قد يرغب في مشاهدة المسلسل لما يسمعه من أفراد أسرته حول أحداثه، مما قد يثير الفضول داخله.
وللأسف، فإن أغلب الأهل يعتقدون أنه من الأفضل جلوس طفلهم معهم، ومتابعة المسلسل، وذلك بهدف توفير جو هادئ في إشغال الطفل، من دون مراعاتهم لوجود مشاهد عنيفة ومرعبة لأطفالهم كالقتل والضرب والسرقة، وفق طوقان.
وتتابع، فالأطفال ليس لديهم القدرة على الربط والتحليل بالأحداث مثل الكبار، فهم يهتمون ويركزون على الجزء المثير لهم، وهذا يؤثر تأثيرا سلبيا على الطفل من الناحيتين النفسية والجسدية. فسلوك الأطفال يتكون من خلال البيئة المحيطة بهم بالتقليد والملاحظة.
وتوضح طوقان، وهذا يظهر من خلال تغير أسلوبه مع أفراد أسرته للأسوأ كالصراخ والضرب والبكاء والكذب أو من خلال طريقة لعبه مع أصدقائه؛ حيث يكون أغلبها تجسيدا لما يراه في المسلسلات وقد يظهر لديهم القلق والخوف من بعض المشاهد البيئية مما قد يؤثر على نوم الطفل وشهيته للطعام وتركيزه.
وتذكر طوقان أنها تابعت الكثير من الأطفال المتأثرين ببعض المسلسلات، ومنهم طفل في الثامنة من عمره حاول شنق نفسه متأثرا ببطل أحد المسلسلات، وطفل آخر في السابعة من عمره حاول قتل أخيه الأصغر منه ذي الأربع سنوات من خلال وضع الكلور له في الماء متأثرا بمشهد لفتاة تقوم بقتل زوجة أبيها في أحد المسلسلات، وطفلة التسع سنوات أصبحت تخاف من النوم بغرفتها بدون وجود أحد الوالدين معها خوفا من اختطافها.
لذلك، يجب على الأهل تجنب متابعة المسلسلات التي قد تحتوي على مشاهد غير مناسبة للأطفال، وفق طوقان، وتخصيص وقت لمشاهدة الكرتون مع طفلهم واختيار المسلسلات الكوميدية ومشاهدة ما يرغبون بمتابعته بعد نوم أطفالهم. فجميع المسلسلات الآن أصبحت متاحة بسهولة على الإنترنت.
وتنصح طوقان، الأهل، في حال شاهد الطفل معهم المسلسل أن يوضحوا له كل ما يدور من أحداث ومناقشته بالسلوك السوي وغير السوي، حتى تتضح الصورة الكاملة للطفل، وخصوصا الأطفال الذين هم في بداية سن المراهقة، كما يجب على الأهل أن لا يترددوا في مراجعة الطبيب النفسي في حال ظهور تغيرات على سلوك أطفالهم.الغد

زر الذهاب إلى الأعلى