خلل بيئي يستوطن البحر الميت ولا حلول مترقبة
يدق ناقوس انخفاض منسوب مياه البحر الميت خطرا ينذر بتعاظم انحساره نتيجة خلل بيئي يستوطنه في ظل غياب حلول مقترحة قريبة لإنقاذه.
فقد وصل مسطح البحر الميت بحسب آخر الدراسات نحو 595 كيلومترا مربعا بعمق 420 مترا، منخفضا نحو 35 مترا عن العام 1976، ما يؤكد فداحة الخلل البيئي الذي يتعرّض لهُ أهم المعالم الطبيعية والجيولوجيّة النادرة في العالم.
فبعد ان كانت مياهه اللامعة وانعكاسات الشروق والغروب فوقها محلّاً تسكن إليه الأنظار، بات المشهد اليوم أكثر ايلاما، إذ تكشّفت المنحدرات الطينيّة شِماله، واختفى البحر الميت جنوباً تاركاً حفر الخسف المتزايدة تهدد المكان.
ويُنبئ انخفاض منسوبه المتسارع في ظل انعدام الحلول على الأرض، بانقراض هذا البحر الذي يمثل ظاهرة جيولوجيّة فريدة سيخسرها الجميع – كما يقول نقيب الجيولوجيين الأردنيين صخر النسور لـ (بترا)، متسائلا: “كيف يكون هناك تطوير للبنية التحتيّة ودعوات للاستثمار ومنح التراخيص وتنفيذ مشروعات سياحيّة دون معرفة مصير هذا البحر ودون تقديم المؤسسات المعنيّة به مخططاً شمولياً لواقعهِ ومستقبله؟”.
وفي المقابل تؤكد مسؤولة الاستثمار في شركة المجموعة الأردنية للمناطق الحرة والتنموية المعنيّة بتطوير منطقة البحر الميت أمل زنون، “أن انخفاض منسوب مياه البحر الميت لا يؤثر على الاستثمار وهو مسؤولية مؤسسات أخرى”.
ويذهب الخبير المائي والبيئي الدكتور كمال خضير بعيداً في تشخيص اسباب انخفاض منسوب البحر الميت التي يدعو للوقوف عليها جميعها وليس بعضها، إذ يشير إلى اقصى الشمال وما أدى إليه تحويل روافد ومصبات اليرموك داخل الأراضي السورية مِن ضَعف في منسوب المياه المتدفّقة من نهر اليرموك إلى سد الوحدة ونهر الأردن المغذي الرئيس للبحر الميت.
ويشير أيضاً إلى تجميع المياه في السدود الشرقية والغربية للبحر واعتداء الجانب الاسرائيلي على نهر الأردن وروافده وتخزين مياهها، اضافة إلى عمليات التعدين على ضفتي البحر وانخفاض الهطول المطري وارتفاع درجات الحرارة ونسبة التبخّر وزيادة عدد السكان.
“بتنا نشاهد ابتعاداً واضحاً في المسافة بين الفنادق والمنتجعات وشاطئ البحر” بحسب مشاهدات الناشط في القطاع السياحي بالبحر الميت علي عقلة، الذي يتخوّف من تأثير ذلك مستقبلاً على قطاع الصناعة والتعدين في البحر الذي يُشغّل المئات.
ويدق عقلة ناقوس الخطر من خلال ملاحظته لاختلالات في تركيبة التربة وظهور حُفر يصل قطرها إلى 20 مترا وبعمق 10 أمتار، محذراً من تأثير الخسف على العمران والبنيان والمزارع والمنشآت والسدود والأحواض المائية مستقبلا.
“ويتناسب النظام البيئي الحيوي الفاعل في منطقة البحر الميت مع نسبة رطوبة وأوكسجين عالية ما يعزز ديمومة الكائنات الحية بالمنطقة والأشجار خصوصاً شجرة الطرفة التي يعيش عليها عصفور البحر الميت، لذا فانخفاض منسوب البحر الميت يعني تراجع نسب الرطوبة والأوكسجين وبالتالي نفوق الكائنات الحية وموت الاشجار نتيجة ذلك” بحسب مدير مديرية حماية الطبيعة في وزارة البيئة المهندس رائد بني هاني.
نهر الأردن و “نهر الأردن الذي يعد الشريان الرئيس للبحر الميت، تكاد مياهه لا تصل البحر الميت بعدما كان يرفع منسوب مياه البحر بنحو بمليار ونصف المليار من المياه في ستينيات القرن الماضي، وهذا قبل أن يتم تخزين وتحويل مصبات نهر اليرموك وارتفاع عدد السدود على هذه المصبات ما ادى الى تدني كميّة المياه الواصلة إلى نهر الأردن وقناة الغور الشرقية وأخيراً البحر الميت” كما يقول الخبير المائي كمال خضير .
ويضيف خضير، إن إسرائيل تتحمّل بشكلٍ رئيس وزر انخفاض منسوب مياه البحر الميت جرّاء إنشائها خط النقل القطري الذي يحوّل 500 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا باتجاه النقب، بعدما تتغذى على المصبات الشمالية كأنهار الحاصباني وبانياس والدان، والتي “كانت مياهها تسيل من طبريا لتلتقي بنهر اليرموك المغذي السفلي لنهر الأردن وتصب أخيراً بالبحر الميت”. الاتفاقية المائيةويطالب الخبير المائي وأمين عام سلطة وادي الأردن الاسبق ورئيس جمعية أصدقاء البحر الميت المهندس سعد أبو حمور بتعديل الاتفاقية المائية الموقعة بين الأردن وسوريا عام 1987، بسبب وجود مخالفات قللت من استفادة الأردن من مياه نهر اليرموك ومن تدفّقها إلى نهر الأردن، اضافة إلى عدم الاستفادة من المياه المسالة أسفل سد الوحدة بشكل عادل، موضحاً أن الحكومة حاولت نهاية عام 2010 بحث تعديل الاتفاقيّة مع الجانب السوري الا ان الاحداث الداخلية في سوريا حالت دون ذلك.
وانخفض التدفق المائي من نهر اليرموك إلى قناة الملك عبدالله بشكل واضح، ففي العام 2013 بلغت الكمية المتدفقة نحو 300ر28 مليون متر مكعب، انخفضت إلى 16 مليونا عام 2014 فيما كانت كمية التدفق من نهر اليرموك إلى سد الوحدة 60ر8 مليون م3 عام 2013، انخفضت عام 2014 إلى 40ر5 بحسب تقرير أعدته وزارة البيئة.
وتشير وسائل اعلام سورية الى انخفاض نسبة الهطول المطري في مناطق روافد اليرموك، في الوقت الذي ارتفع فيه عدد السدود على هذه الروافد بعد توقيع الاتفاقية من نحو 26 سداً إلى 44 سداً تقريباً، إضافة إلى حفر ما يزيد على 3000 بئر جوفية في حوض اليرموك داخل سوريا.
ووفقاً للملحق 2 في معاهدة السلام الموقعة بين الاردن واسرائيل، الذي يفصّل المادة 6 من نص المعاهدة، “تحصل إسرائيل على 12 مليون متر مكعّب من مياه نهر اليرموك في فترة الصيف، و13 مليون متر مكعب في فترة الشتاء، فيما يحصل الأردن على باقي التدفق”، أي أنها لم تفصّل بشكل واضح وصريح حصة الأردن المائية وبالتالي فإن باقي التدفّق هي حصة متغيرة وقد تكون قليلة جداً، بحسب الخبير المائي والأمين العام الأسبق لوزارة المياه الدكتور محمد بني هاني.
ويشير بني هاني إلى أن الملحق الخاص بالمياه في المعاهدة لم ينص على حقوق الأردن في روافد نهر اليرموك، مضيفاً “استندنا على المصب السفلي (أو نهر الأردن السفلي) ولم نتطرق فيها للروافد الرئيسية للنهر وبحيرة طبريا، ما يعني أن نهر الأردن خسر مزيداً من المياه المتدفقة التي كانت تصل بقوة للبحر الميت”.
ناقل البحرين ويرى مهتمون أن مشروع ناقل البحرين هو جزء من الحل، الا أن الحل الطبيعي والرئيس هو عبر نهر الأردن .
وأطلق على المشروع الدولي اسم (Dead/ Red) ويتم بموجبه حفر قناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت الذي ينخفض مستواه عن الأحمر نحو 420 مترا، ويمكن للمياه المتدفقة عبر أنابيب طولها 177 كيلومترا أن تغذي البحر الميت بكميات مياه كبيرة اضافة لتوليد الكهرباء.
الا ان المشروع الذي وقّع عليه الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية مذكرة تفاهم في واشنطن عام 2013، لا زال متعثرا، اذ تم تأهيل الشركات العالمية التي ستعمل على تنفيذ المشروع وتشغيله، ولا تزال تنتظر توزيع وثيقة العطاء عليها لِتقدّم تقريرها الفني والمالي، بحسب الخبير المائي سعد أبو حمور. ويشير هذا إلى خلافات حول المشروع والتي يصفها أبو حمور بالبسيطة وليست بالمفصليّة، مؤكداً أن مِن السهولة حلّها إذا ما كان هناك مباحثات حثيثة ومتواصلة دون انقطاع، لاسيما الاستعانة بجهات دولية للسير قدماً بهذا المشروع الذي سينقذ البحر الميت ويحافظ على بيئته الاستثمارية والسياحية التي يحتاجها الأردن لمواجهة التحديات المائية في ظل تصنيف الأردن كثاني أفقر دول العالم مائياً .
الناطق الاعلامي لوزارة المياه والري عمر سلامة يقول، ان “الحكومة قدّمت مشروعاً وطنياً في مؤتمر مبادرة لندن لتحلية مياه البحر الأحمر”، موضحا ان تنفيذ الخط الناقل يؤمن في حال تنفيذه 100 مليون متر مكعب من مياه الشرب، اضافة الى ان ناتج المياه المعالجة يذهب إلى البحر الميت”، ما يُؤكد وفقا لسلامة، “وجود تعثر واضح في تنفيذ مشروع ناقل البحرين”.
التعدين والصناعة على ضفتي البحروهناك نحو 650 مليون متر مكعب من مياه البحر الميت تهدرها الشركات العاملة على ضفتي البحر سنويا وهي أحد الأسباب الرئيسة لانخفاض منسوبه، بحسب نقيب الجيولوجيين الأردنيين، الذي يتساءل عن عدم استخدام هذه الشركات للتكنولوجيا الحديثة التي توفر المادة المطلوبة دون سحب كميات هائلة من المياه كما تُمكّن مِن استخلاص مواد وعناصر كثيرة بأقل كمية من المياه .
الهطول المطري والمياه الجوفية والتبخّر ويقدّر الهطول المطري المباشر سنوياً على البحر الميت بنحو 39 مليون متر مكعب مقابل 754 مليون متر كعب تتبخر سنوياً، أي أن كمية التبخر هي حوالي 1600 ملم في العام بحسب تقرير لوزارة البيئة منشور على موقعها الإلكتروني . كما يخسر البحر الميت نحو 80 مليون متر مكعب من المياه سنوياً جرّاء انخفاض مستوى المياه الجوفية في باطن المناطق الشرقية والغربية للبحر، والتي كانت تزوّد البحر بالمياه من خلال انسيابها في اعماق الأرض باتجاه البحر، كما يقول الخبير المائي كمال خضير الذي يعتبر المياه الجوفيّة رافدا رئيسا غير مُشاهد للبحر الميت .
وتشير دائرة الارصاد الجوية الى أن الدراسات المناخية لآخر 40 سنة ماضية، اشارت إلى انخفاض معدل كميات الامطار سنويا بمقدار 6ر0 ملم، اضافة الى ارتفاع في المعدل السنوي لدرجات الحرارة في المملكة اذ بلغت 0.059 درجة مئوية