جيل في مهب السوشال ميديا: العالم يدق ناقوس الخطر

لم يعد استخدام الأطفال والمراهقين لمنصات التواصل الاجتماعي مجرد تسلية او استهلاك للوقت، بل تحوّل إلى قضية تثير قلقًا عالميًا متزايدًا. فبين الإدمان النفسي، والاضطرابات الجسدية، والعزلة الاجتماعية، تتكشّف يوماً بعد يوم تأثيرات واضحة تعكس اضرارا عميقة تستدعي تحركا مدروسًا لحماية أجيال المستقبل.
تشير دراسات علمية حديثة إلى أن كل ساعة إضافية يقضيها المراهقون على وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من احتمالية ظهور أعراض الاكتئاب لدى الاناث بنسبة تصل إلى 13% مقابل 9% عند الذكور، كما أن الاستخدام المفرط لتلك المنصات يرتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب في أكثر من 80% من الحالات المدروسة، وأن 60% من الفتيات الشابات يشعرن بعدم الارتياح من أن مظهرهن الحقيقي لا يطابق الصور المثالية التي يشاهدنها أو ينشرنها عبر الإنترنت، وأن 12% من المراهقين معرضون لخطر الإدمان على ألعاب الفيديو، حيث تظهر النسبة بشكل أوضح لدى الذكور (16%) مقارنة بـ 7% لدى الإناث.
وفي ضوء ذلك أصبح الجدل العام في كثير من دول العالم، يدور حول ما الذي ينبغي على الحكومات والمختصين فعله في ظل التزايد المستمر لتعرّض الأطفال لمحتوى غير مناسب عبر منصات التواصل الاجتماعي؟
في عدة دول، منها استرالي والتي قامت باتخاذ خطوة جريئة في تشرين الثاني الماضي، بتمرير تشريع تجريبي يمنع من هم دون السادسة عشرة من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وحاليا من الوصول الى اليوتيوب، في محاولة لحماية الأطفال من التأثيرات السلبية التي أصبحت ملموسه ومؤكدة علميا، حيث إن الاستخدام المفرط للشاشات في سن مبكرة يؤثر بشكل جوهري على تطور مهارات التفكير النقدي والعلاقات الاجتماعية لدى القُصّر.
وتجدر الإشارة الى ان هذه المنصات كانت مساحة للمراهقين والبالغين، فيما نواجه اليوم واقعًا مختلفا، فنحن أمام جيل نشأ على الشاشات، ويتم تربيته في بيئة رقمية ضعيفة الضوابط، والذي فتح الباب أمام تساؤل ضروري في دول كثيرة، ألم يآن الأوان لتدخل تشريعي ورقابي حازم يضمن حماية أطفال العالم ومستقبلهم؟ لقد تجاوزنا مرحلة الصمت، ولم يعد تجاهل الخطر مقبولًا.
ورغم أن غالبية الأهالي في دول مثل أستراليا يدعمون حظرًا كاملًا على استخدام الأطفال لمنصات التواصل، إلا أن المتخصصين يحذرون من أن الحظر وحده قد يدفع الأطفال إلى مساحات رقمية أكثر خطرًا وغموضًا مثل غرف الدردشة المغلقة أو تطبيقات الألعاب غير المراقبة. كما تؤكد الخبيرة النفسية “سونيا ليفينغستون” من مدرسة لندن للاقتصاد أن المشكلة ليست فقط في السماح أو المنع، بل في غياب المنصات المسؤولة والمضامين الخاضعة للرقابة.
إضافة الى انه لا تزال التعريفات القانونية لمفهوم “منصة التواصل الاجتماعي” غامضة أو فضفاضة في معظم الدول، مما يضع المشرّعين في مواجهة تحديات كبيرة عند محاولة سن قوانين أو تنفيذها.
ختامًا، إن استخدام الأطفال والمراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي ليس ترفًا رقميًا، بل يؤدي الى عواقب سلبية تمس الصحة النفسية والسلوك والتوازن المجتمعي لجيل كامل. وبين دعوات وتوجهات الحظر الكامل ومخاوف الانفلات الرقمي، فلا بد من إيجاد منظومة متكاملة، تُوازن بين حماية الأطفال وتمكينهم، وتجمع بين التشريعات المناسبة، والرقابة الذكية، ورفع الوعي المجتمعي والاسري. آن الأوان الى ان تبدأ الدول بتطوير إطار رقمي آمن ومتوازن يحمي أجيال المستقبل.