جبر الخواطر

لؤي دلكي

إن في إسلامنا العظيم عبادةً سهلةً ميسورة، يستطيعها كل مسلم بحسب طاقته وقدرته،

ألا وهي عبادة (جبر الخواطر) وتطييب النفوس وتخفيف الهمّ عن المهمومين والمصابِ عن المصابين،

وفي هذه العبادة دليلٌ على طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة،

وربنا سبحانه يرحم من عباده الرحماء، ولله أقوامٌ يختصهم بالنعم لمنافع العباد،

وقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلا سأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحب الناس إلى الله تعالى؟ وما أحب الأعمال إليه؟

فقال عليه وآله الصلاة والسلام: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس،

وأحب الأعمال إليه؛ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعا، أو تقضي عنه دَيْنا،

ولأَن أمشيَ مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا،

ومن مشى مع أخٍ له في حاجة حتى يثبتها له،

أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام.

ولهذا يقول سفيان الثوري رحمه الله: (ما رأيت عبادةً قط يتقرب بها المسلم إلى ربه؛ مثل جبر خاطر أخيه المسلم)

ومن حكمة المولى سبحانه وتعالى أنه يعامل عبدَه كما يعامل عبدُه الناس؛ فإن كان عبده جابرا للخواطر ومطيبا للنفوس،

جبر الله خواطره، ودفع عنه مخاطره،

وفي هذا المعنى الجميل يقول الإمام الجليل ابن قيم الجوزية رحمه الله: (من عامل عباد الله بصفة عامله الله بمثلها في الدنيا والآخرة، والجزاء من جنس العمل).

وهذا مصداق لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (من فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة الخ…)

ولذلك قيل: من سار بين الناس جابرا للخواطر، أدركته عناية الله في جوف المخاطر،

وكما أن المولى سبحانه وتعالى حث على جبر الخواطر فكذلك حرّم كسرها لا سيما خواطر الضعفاء والمساكين،

قال تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر)

ومن هنا قيل: (احذروا كسر الخواطر؛ فإنها ليست عظما يُكسر ولكنها روحٌ تُقهَر).

ولا أجد في الختام أجمل من قول المتنبي:

أحسن إلى الناس تستعبدْ قلوبَهمُ

فلطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.

اللهم اجبر كسرنا، وقوّ ضعفنا، وانصرنا على من ظلمنا، والحمد لله في بَدءٍ وفي خَتَمِ.

زر الذهاب إلى الأعلى