ثلثا الأردنيين يعتمدون على الصيدليات لعلاج الحالات البسيطة

أظهرت دراسة وطنية حديثة أن 68% من المشاركين يتوجهون إلى الصيدليات ويعتمدون عليها بدلا من المراكز الصحية أو المستشفيات عند مواجهة حالات صحية بسيطة كنزلات البرد والالام الطفيفة واضطرابات الجهاز الهضمي.

وأشار الأستاذ المشارك في علم الأدوية السريرية والمشرف على الدراسة الدكتور ضرار بلعاوي  إلى أن هذه النتائج تسلط الضوء على تحول حقيقي في دور الصيدلي داخل المجتمع الأردني، كخط الدفاع الأول في منظومة الرعاية الصحية الأولية، حيث يقدم استشارات طبية فورية وسريعة يسهل الوصول إليها، بسحب الرأي.

واعتبر أنه لفترة طويلة كانت مساهمة صيادلة المجتمع أمرا مفهوما ضمنيا دون أن تدعمه بيانات علمية، لكن هذه الدراسة سعت إلى تقديم صورة واضحة تستند إلى تجربة المرضى أنفسهم، لمعرفة مدى رضاهم، وما يتوقعونه من صيدلياتهم.

وشملت الدراسة التي نشرت في مجلة Tropical Journal of Pharmaceutical Research المعترف بها عالميا والمفهرسة ضمن قاعدة Scopus، اراء ما يقارب 400 مواطن من مختلف محافظات المملكة، وقد ركزت على تقييم مدى رضا الجمهور عن تعامل الصيادلة مع الحالات الصحية البسيطة إلى المتوسطة، ومدى ثقتهم في الصيدلي كمقدم للرعاية الصحية الأولية.

وأظهرت نتائج الدراسة أن 68.3% من المشاركين زاروا صيدلية مجتمع خلال العام الماضي لعلاج حالة صحية بسيطة، وكانت الأسباب الأكثر شيوعا لتلك الزيارات، تخفيف الألم (33.8%)، أعراض الإنفلونزا (25.3%)، ومشاكل الجهاز الهضمي (17.1%)، وهي حالات وإن لم تكن حرجة، إلا أنها تؤثر على جودة الحياة اليومية.

والأهم من ذلك فإن 70.3% من هؤلاء المرضى أعربوا عن رضاهم عن الخدمة المقدمة، فيما قال 40.5% إنهم «راضون تمام»، ما يشير إلى علاقة ثقة متينة بين المريض والصيدلي.

وأشار بلعاوي إلى أن هذه الأرقام تعكس حقيقة مهمة، وهي أن الصيدلي الأردني لا يقدم الدواء فقط، بل يمارس دورا سريريا محوريا يخفف الضغط عن العيادات والمستشفيات، فلو لجأ كل هؤلاء المرضى إلى أقسام الطوارئ، لكان هناك عبء كبير على النظام الصحي.

وأظهرت الدراسة أيضا أن أكثر من 80% من المشاركين أكدوا نيتهم العودة إلى الصيدلية نفسها لطلب المشورة مستقبلا، وهو ما يدل على تجربة إيجابية ومستوى عال من الراحة وسهولة الوصول، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الرعاية الصحية العامة.

لكن في المقابل، كشفت الدراسة عن بعض الفجوات التي يمكن تحسينها، فقد أشار 50.2% من المشاركين إلى أن الصيدلي لم يتابع حالتهم بعد الزيارة الأولى، في حين قال 43.9% إنهم لم يتلقوا شرحا كافيا حول الآثار الجانبية المحتملة للأدوية التي صرفت لهم.

وأوضح بلعاوي أن هذه ليست مؤشرات على التقصير، بل إشارات على فرص حقيقية لتحسين تجربة المريض، حيث أن المتابعة بعد صرف الدواء، ولو عبر مكالمة هاتفية، تعزز استمرارية الرعاية، كما أن تقديم شرح واف حول الاثار الجانبية ضروري لسلامة المريض والتزامه بالعلاج.

وأشارت الدراسة إلى الحاجة لتطوير مسارات تدريب سريري متقدم للصيادلة، وتفعيل نظام تطوير مهني مستمر (CPD)، بما يمكنهم من أداء أدوار أكثر تخصصا.

وأكد بلعاوي أن هذا التحول لن يتحقق إلا من خلال شراكة فاعلة بين وزارة الصحة، ونقابة الصيادلة، والجامعات الأردنية.

وأضاف أن لدينا كوادر مؤهلة وموثوقة، والمرضى يثقون بها، والآن هو الوقت المناسب لاستثمار هذه الثقة وتوفير التدريب الذي يمكن الصيدلي من تقديم رعاية أعمق وأكثر تخصصا.

وتابع بأن في دول متقدمة مثل المملكة المتحدة وكندا، أصبح من المعتاد وجود صيادلة مختصين بإدارة الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم داخل صيدليات المجتمع، فالدراسات تظهر أن إشراك الصيادلة في برامج متابعة المرضى المزمنين يرفع معدلات الالتزام بالأدوية بنسبة تصل إلى 30% ويقلل من المضاعفات، ما يوفر الاف الدنانير على الأنظمة الصحية.

وقال » تخيل أن تزور صيدليتك المحلية في الأردن وتجد صيدليا متخصصا في السكري يقدم لك خطة دوائية وغذائية متكاملة بالتعاون مع طبيبك، فهذا ليس حلما، بل نموذج مطبق في عدة دول ويمكن نقله وتكييفه في الأردن».

ونوه بلعاوي إلى أن لدينا تحديات صحية كبرى مثل السكري وأمراض القلب، ولدينا أيضا صيادلة قادرون على لعب دور محوري في إدارتها، مشددا على أن تدريب الصيدلي المتخصص في الأمراض المزمنة، أو في مجالات دقيقة كالرعاية التنفسية ومضادات التخثر، هو خطوة ضرورية نحو رعاية صحية استباقية وشخصية.

وهذه الدراسة التي قادها بلعاوي وفريقه من طلبة الماجستير في جامعة البترا كما ذكر، لا تسلط الضوء على الواقع الحالي فحسب، بل تقدم رؤية واضحة لمستقبل ممكن.

ولفت إلى أن الأردنيين يثقون بصيادلتهم ويعتمدون عليهم، ويطلبون منهم المزيد، وقد ان الأوان للانتقال من نموذج الصيدلية التقليدية إلى نموذج يقدم رعاية صحية متقدمة، يمكن الوصول إليها بسهولة، ويستحقها كل مواطن.

زر الذهاب إلى الأعلى