بالشراكة بين مؤسستي “شومان” و “الفكر العربي”.. ندوة لمناقشة كتاب: “العَرَب وتحديّات التحوّل نحو المعرفة والابتكار”

نظّم منتدى مؤسّسة عبد الحميد شومان الثقافي، ذراع البنك العربي للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، بالشراكة مع مؤسّسة الفكر العربي، ندوةً في عمّان يوم أمس لمناقشة الكتاب الذي أصدرته حديثاً “العَرَب وتحديّات التحوّل نحو المعرفة والابتكار”، لمؤلّفَيه الدكتور معين حمزة والدكتور عُمَر البزري.

بداية جرى عرض فيديو حول أبرز مضامين الكتاب ومُخرجاته، ثم ألقت الرئيسة التنفيذية لمؤسّسة عبد الحميد شومان فالنتينا قسيسيّة كلمة، اعتبرت فيها أنّ المعرفة بمفهومها البسيط هي ابنة البحث، وهي عملية تراكمية لا تعترف بالنهايات البسيطة، ولكن تؤمن وأصحابها بالاستمرارية التي تقود إلى سلسلة واسعة من التطوير والتحديث في البنى الفوقية وما يختصّ بالإنسان قبل البنى التحتية. ولفتت إلى التحدّيات الجدّية التي يواجهها عالَمنا العربي والتي تؤثّر بشكلٍ مباشر على حياة الأفراد والمجتمعات، كالأمن الغذائي العربي، والزراعة وندرة المياه الصالحة للشرب التي تعاني منها الأقطار العربية، بينما يتنافس الأردن على المرتبة الأولى كأكثر البلدان فقراً للمياه، والقائمة تطول كثيراً.

وختمت بالتأكيد على أنّ التحوّل إلى مجتمعاتٍ معرفية حقيقية يستلزم نقد البُنى القائمة، ونقضها، لبناء منظومات حديثة تستلهم المتغيّرات الحاصلة حول العالَم، داعيةً إلى تسليط الضوء على التحدّيات التي تقف حائلاً أمام التحوّل العربي نحو المعرفة والابتكار، وبالتالي نحو الإنتاج والتقدّم.

ثم ألقى المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربي البروفسور هنري العَويط كلمة، لفت فيها إلى أنّ اختيار مؤسّسة شومان لانعقاد هذه الندوة، لم يكن مبنيّاً على علاقات التعاون الوثيق التي نَسَجْناها ووطّدناها بين مؤسّستَينا، وعلى أهدافِنا الثقافيةِ المُشترَكة، فحسب، بل على اعتبارِنا مؤسّسة شومان، التي أطلقت في العام 1982 جائزةَ الباحثين العرب، رائدةً على صعيد دعم البحث العلميّ وإبرازِه، وعلى اعتبارِنا الصندوقَ الذي أنشأته في العام 1999، نموذجاً للمبادرات الأهلية الراميةِ إلى نشر المعرفة والتحفيزِ على الابتكار، فهي بالتالي معنيّةٌ مباشرةً بمضمونِ كتابنا وبالرسائلِ التي يسعى إلى إيصالِها.

وأكّد العَويط أنّ الكتاب الذي تنعقدُ نَدوتُنا حولَه، يستكمل الجهودَ التي ما فتئت مؤسّسة الفكر العربي تبذلها لتوطينِ المعرفةِ وتوليدِها ونشرِها، بتوجيهٍ من رئيسها صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، ودعمٍ من مجلس أمنائها، ويُضفي عليها المزيدَ من الكثافة، بفضل المزايا المنهجيّة التي يتحلّى بها.

ولفت إلى الطابع الشمولي الذي يتّسمُ به الكتاب، والذي يتجلّى أوّلاًعلى المستوى الجغرافيّ، إذ يغطّي المِنطقةَ العربيةَ بأكملها، كما يتجلّى ثانياً على صعيد المحتوى، فالكتاب الذي يمتدُّ على 400 صفحةٍ ونيّف، يَزخَرُ بكمٍّ هائلٍ من المعلومات والإحصاءات والبيانات.

وبمناسبة تزامن انعقاد الندوة في 29 نوفمبر مع اليوم العالَمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ختم العَويط بتوجيه التحيّة إلى علماءِ فلسطين وإنجازاتِهم المضيئة.

واختُتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة وزيرة الثقافة السيدة هيفاء النجّار التي رأت أنّ هذا العصر يتّسم بفيضٍ معرفي وسرعة في الابتكار، إذ أمست المشكلة لا تتعلّق بالبحث، وإنّما في موثوقية المصادر وصدقيتها، وقد كان لهذا الأثر الكبير على خلخلة مفهوم الثقافة وتحوّل أدوارها ومكانتها.

وشدّدت النجّار على أنّ الثقافة بالمعنى العامّ لم تعد مجرّد مفردة عائمة وهامشية، بل تمثّل قطاعاً إنتاجياً يُسهم في التنمية، ويمثل رافعةً للإنتاج القومي، والحديث عن الثقافة يتّصل بالعنوان الرئيس للكتاب، وهو ينطوي على سؤال في الوقت نفسه، إذ كيف للعرب أن يتجاوزوا تحدّيات التحوّل نحو المعرفة والابتكار؟

بعدها أقيمت جلسة حوارية أدارها أدارها الأمين العامّ للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا البروفيسور ضياء الدّين عرفة اعتبر فيها أن الكتاب يعد حصيلة للعديد من المراجع والتقارير التي فاقت المئتين من صُنَّاعِ قَرارٍ، وعُلماءَ، ومُفكرينَ، ومثقفينَ، وباحثينَ، فكان بلا شك مصدرا مُتدفقا للمعرفة، شكلت مخرجاته مصير ما آل إليه حال 392 مليون نسمة تقطن في البلدان العربية، وتشكل ما نسبته 5.3% من سكان العالم. مشيراً إلى أن الكتاب دق ناقوسَ الخطر باستعراضه بعض الأرقام والإحصاءات الدقيقة، ومنها وصول إجمالي الناتج المحلي للبلدان العربية (6 ترليون دولار أمريكي) إلى 5.8% من إجمالي الناتج المحلي لبلدان العالم.

ورأى الدكتور عبدالله الزعبي، أستاذ الهندسة الكهربائية ولإلكترونية في جامعة الأميرة سميّة للتكنولوجيا، ومؤسّس الرابطة الدولية للتعليم الإلكتروني أنّ الكتاب يصل إلى نتيجةٍ واضحة مفادها أنّ أداء البلدان العربية ما زال دون المستوى الذي يؤهّلها للتحوّل نحو اقتصاداتٍ ومجتمعاتٍ معرفية، وذلك نتيجة أسبابٍ ثقافية تتجسّد في مكابح تاريخية وإرث عقائدي واجتماعي ووجداني أسأنا فهمه. كما يؤكّد الكتاب على نقطةٍ في غاية الأهمّية تتعلّق بتنبيه الدول العربية كي لا تُكرّر الأخطاء التي ارتكبتها في حقبة الاستقلال

في خمسينيّات القرن الماضي، عندما استثمرت ثرواتها الباطنية وخبراتها الفنّية والإدارية عبر شركات الدول المتقدّمة، التي جنت جلّ ثمار الثروات العربية.

وركّز الأمين العامّ لاتّحاد الجامعات العربية الدكتور عمرو عزت سلامة على أهمّية الإعلام العلمي، ورأى أن الإعلام العربي لم يتمّ إعداده للقيام بمهامه المطلوبة، إذ لا بدّ أن يصبح العلم ثقافة وأن يتمّ العمل على تبسيط العلوم. وشدّد على حاجة عالَمنا العربي إلى تشجيع الشباب على التخصّص في الإعلام العلمي، وفتح أقسام للصحافة العلمية، وتخصيص برامج تلفزيونية ودعم المؤسّسات العاملة في مجال البحث والتطوير، وحثّ الأساتذة على المشاركة في تحرير مقالات علمية في الصحف والمجلّات المتخصّصة.

من جهته أكد المستشار العلمي لمجلس التفاهم العالَمي لقادة الدول الدكتور منيف الزعبي، على بروز الحاجة تاريخياً إلى ضرورة الاهتمام بمنظومات العلوم والتكنولوجيا والابتكار الوطنية، لما لها من دَورٍ مفصلي في تحقيق التنمية المُستدامة، وبناء اقتصادٍ متين، والتصدّي للمشكلات العالمية التي تحتاج إلى حُلولٍ عِلمية.

واعتبر أنّه مِن الحكمة أن يتوجّهَ العالَم إلى “العلمِ والتضامن” على الأقلّ لِمُكافحة انتشار “المعلومات الخاطئة علمياً” والمتعلّقة بالوَباء، إذ لا يُمكن إنكار حقيقة أنّ الوباء الحالي يؤكّدُ أهمّية توفُّر المعرفةِ العلمية التي تؤمّنها آليات استشارية علمية وطنية موثوقة لتوجيه القرارات السياسية.

الأستاذ نارت دغجوقة الباحث الرئيسيّ في التكنولوجيا والابتكار، ركّز على البيئة الحاضنة لاكتساب التكنولوجيا في الدول النامية، ودبلوماسية العلوم من منظورٍ عربي، ولفت إلى وجود فجوة تفصل ما بين صُنّاع القرار والمجتمعات العلمية والمتخصّصة فيما يتعلّق بمسائل التنمية بأبعادها المختلفة، والتي تؤثّر سلباً على مُخرجات عملية صنع القرار والسياسات المرتبطة بالتنمية المستدامة. واعتبر أنّ أحد الأمثلة المُهمّة التي تناولها الكتاب، هو غياب لجان العلوم والتكنولوجيا والإبداع عن معظم البرلمانات العربية، وغياب وظيفة المستشارين العلميّين للحكومات، فضلاً عن المُلحقين الدبلوماسيين العلميّين العرب في وزارات الخارجية.

بعدها جرى حوار بين الحضور وأحد مؤلّفي الكتاب البروفسور معين حمزة، فأوضح أنّ الكتاب عالج عشرات المحاور المتكاملة، واعتمد منهج الوصول إلى رؤية استشرافية دون السقوط في فخ التوصيات الجافّة، كما استند إلى المعطيات الرقمية الموثوقة. وأكّد أن لا مصداقية إلّا بالعِلم، لكن هل العرب يثقون بالعِلم وبالعلميّين؟ وهل العلميّون هم المرجع الصالِح والمقبول لمجابهة التحدّيات؟ النتائج مثيرة للاهتمام وتعكس واقع الثقافة العلمية المتفاوتة عند العرب.

واختتم كلمته بالتفاتة خاصّة إلى الأردن أوضح فيها أنّه خلال عقدين من الزمن، احتلّ الأردن مواقع واعدة في منظومة المعرفة والبحوث والابتكار، وقد تمّ تصنيفه في العديد من المؤشّرات النوعية ضمن المجموعة الثانية التي تضمّ الكويت ولبنان وتونس والمغرب. وأكّد أنّ هذا التقدّم يشكّل فرصةً ذهبيةً تستحقّ العناية والدعم بتوفير موارد مالية هامّة من القطاع الخاصّ النشط، ومن برامج التعاون الدولي والأوروبي التي تعتبر الأردن شريكاً أساسياً في أيّ من مبادراتها الإقليمية والمتوسطية.

*مؤسّسة شومان هي ذراع البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية والثقافية، مؤسّسة ثقافية لا تهدف لتحقيق الربح، وتُعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار.

* مؤسّسة الفكر العربيّ: هي مؤسّسة أهليّة دوليّة مستقلّة، ليس لها ارتباط بالأنظمة ولا بالانتماءات السياسيّة أو الحزبيّة أو الطائفيّة. التزمت المؤسّسة منذ إنشائها في العام 2000 بتنمية الاعتزاز بثوابت الأمّة ومبادئها وقيمها، وبتعزيز التضامن العربيّ والهويّة العربيّة الجامعة، المُحتضنة لغنى التنوّع والتعدّد، وذلك بنهج الحريّة المسؤولة.

زر الذهاب إلى الأعلى