“الهندي” يكتب: القدس الشريف في وجدان جلالة الملك

بقلم: المهندس عبد الحكيم الهندي*
القدس ومحرابها ،وأصوات المآذن،وأجراس الكنائس، وذلك الدفئ المتدفق من ذلك الغرب القريب، وهذا النور العجيب الذي ينبعث في المكان، يحمل معه سحر الشرق وعبق التاريخ، فما غابت شمس ولا أشرقت إلا وصدح صوت الحق عالياً،واختلج في النفس تجليات سيمفونية زهرة المدائن ،وقلنا بصوت المؤمن الواثق بالله “يا قدس أرواحنا إليك ترحل كل يوم” و رددنا كلمات يوسف العظم “يا قدس يا محراب يـا مسجـد
يا درة الأكوان يـا فَرقـدُ”
“لقد أوصيت أهلي بوجوب دفني في القدس إلى جوار قبر أبي في ساحة الحرم الشريف ،إني أريد القدس معي وأنا على قيد الحياة ،وأريد أن أبقى مع القدس بعد الموت” هذه كانت وصية الملك عبدالله المؤسس، وهذا هو عهد الهاشميين مع القدس ،فهي في الحياة رسالة وريادة وفي الممات شهادة .ويرسل المغفور له جلالة الملك الحسين رسالته القوية للعالم فيقول ” القدس عربية وهي أمانة عربية إسلامية منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب ،ولا يملك أحد حق التصرف بها أو التنازل عنها ،ولن تتمكن إسرائيل ولا سواها من تغيير هذا الواقع،ولو بدا ذلك ممكناً إلى حين” تاريخ هاشمي طويل من المواقف والبطولات والتضحيات الكبيرة ،وكواكب من الشهداء، تشهد عليهم أرواحهم الزكية في ساحات القدس وعلى أسوارها وأبوابها .
يحمل الراية بكل ثبات جلالة الملك عبدالله الثاني، إستمراراً للنهج الهاشمي ورسالتهم في الحفاظ على القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية ،وتأكيداً على مكانة القدس في قلوب المسلمين ،فصدرت في عهد جلالته قرارات دولية تدين الانتهاكات الإسرائلية بحق المقدسات والتراث العربي الإسلامي والمسيحي في المدينة المقدسة،وحرص جلالته على الاستمرار في الإعمار الهاشمي للمسجد الأقصى وقبة الصخرة و كنيسة القيامة،وكانت رسالة محبة وسلام للعالم أجمع وتأكيداً على موقف الأردن الثابت من القدس الشريف ومكانتها الكبيرة في قلوب الهاشميين.
تاريخ هاشمي يمتد منذ بزوغ فجر الإسلام ،ومازالت الإمامة والقيادة والسدانة للمقدسات قائمة وثابتة، تاريخ ارتبط بقلوب مؤمنة وأرواح معلقة بأحفاد المصطفى عليه الصلاة والسلام ،تاريخ يشهد العالم عليه وعلى قداسته ونبل أهدافه، وعلى أصالة نابعة من إرث امتد لمئات السنوات،منذ كان أمراء بنى هاشم وأشرافهم في أعتاب مكة المكرمة وأكناف المسجد الحرام والكعبة الشريفة، دور تاريخي لا يتغير ولا يتبدل وكان هذا الارتباط العجيب بين الإنسان المقدسي وأرضه يقابله دعماً هاشمي لا محدود لصمودهم التاريخي وإصراراً على الحفاظ على الهوية الفلسطينية في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
جلالة الملك هو صاحب الوصاية والولاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف ،حق يعترف به الجميع ،حق حمل جلالته بكل أمانة، فكان تغير الوضع القائم في القدس الشريف من قبل الاحتلال الإسرائيلي أشبه بمناورة عبثية ،وضرب من الخيال ،بالرغم من كل محاولات التهويد والإجراءات التصعيدية، ويقف جلالته في وجه كل ذلك معتبراً أن القدس هي القبلة والوجهة والتوجه، وأن التفريط في في هذه البقعة من الأرض يعني التنازل عن أقدس قضية وأطهرها على الإطلاق ،ويطلق جلالته الدعوات إلى ضرورة توحيد الجهود العربية والإسلامية والدولية في وجه التوجهات الاسرائلية ومحاولتهم المتكررة في التوطين والتهويد.
الأردن الواثق بقيادته الهاشمية يقف اليوم معلناً موقفه الثابت مجدداً، دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف لا تهاون فالقدس في العيون ومهج الأرواح ،تحطمت على أسوارها كل المؤامرات والقرارات العنصرية، وكانت عصية بهية صامدة شامخة و راسخة في العقول والقلوب ،تصدرت العالم كقضية مفصلية ،وبجهود جلالة الملك لعب الأردن دوراً محورياً فيها على اعتبارها قضيتهم الأولى والأهم فالأردن الصابر والقابض على الجمر الحر الأبي الذي ما عرف استكانة ولا انهزام يجابه بشرف ويتصرف بحكمة بالغة ،ويضغط بإتجاه الاعتراف في الحقوق وانتزاعها موقن أن المعركة ليست سهلة على الإطلاق لكنها معركة مفصلية وهامة في صراع طويل ومرير.
الأردن يؤمن بثوابته وبقيادته الهاشمية الحكيمة وبقيادة جلالة الملك المفدى ،وسيسطر للتاريخ بكل شرف قصة الأردنيين وتضحياتهم في الدفاع عن القدس الشريف ومقدساتها ،وكيف أن الهمم عالية و شامخة ،يستمدون القوة والصلابة من قائدٍ فذ ،فكانوا على قدر الحدث وعظم الأمانة ،وسيضاف في سفر التاريخ أن هناك شعباً كتب بتضحياته أنه يعشق الأرض في أرض المحبة و السلام يعشق الانتصار في قضاياه ويروي في الكون قصص صمود بطولية موشحة بالكرامة والعنفوان .
جلالة الملك ذلك الفارس المغوار الذي جابه الريح وقت العاصفة ،وقاد دفة السفينة بكل اقتدار ،نصرك الله سيدي أبا الحسين وعز ملكك وأيدك بسداد خطاك على الخير وجعلك ذخراً للأمتين العربية والإسلامية.فارساً هاشمياً وقائداً عظيماً.
*رئيس جمعية الفنادق الأردنية