“المظلمة السُّنّيّة”.. “المدّ الإيرانيّ”.. “الشرق الأوسط الكبير الجديد”

بقلم: محمد سعيد حمادة*

لم تكن العبارة “الثورجية” المدروسة التي انطلقت في بدايات التحرّك العمليّ في العدوان على سوريا “المسيحي ع بيروت والعلوية بالتابوت” شعارًا أطلقه بعض الغوغاء وأعاد “عقلاء” “الثورة” مطلقيه إلى جادّة الصواب، بل كان شعارًا مدروسًا أوعز بإطلاقه من أجل شدّ العصبية الشعبية السُّنيّة وتركيز وعيها في أن الأمور لم تعد تطاق، ولم يعد من الممكن السكوت على المظلمة التي روّج لها الأميركان و”الإسرائيليون” وتوابعهم من العرب، انطلاقًا من المظلمة السنيّة في العراق!! التي شارك بها صياغة وفعلاً “الحزب الإسلامي العراقي” الذي كان رأس حربة دستور بريمر وعرّابه- تذكرون عضو “مجلس الحكم العراقي” محسن عبد الحميد- وصولاً إلى جرّ الرأي العام الطائفيّ السوريّ وتركيز اهتمامه على هذا الأمر، أملاً، في الوقت نفسه، في ارتدادات طائفية أخرى تكون مبرّرًا شرعيًّا لكلّ ما يمكن أن يحدث من تصفيات وتطهير طائفيّ.

إن كلّ من يجرؤ على توصيف ما جرى في البدايات، ويكون منصفًا ودقيقًا وواضعًا اعتبارات المداهنة والرياء الاجتماعيّ والسياسيّ وراءه، سيؤكّد أن “الثورة” طائفية بامتياز، عمودها وركيزتها وأفقها طائفيّ بامتياز. خرج الأغلب الأعمّ من أغنياء السُّنّة وفقرائهم وأمّييهم ومثقّفيهم ومتعلّميهم ليهتفوا الهتاف ذاته، وجرى النفخ بترديد مقولة “إلى متى سنظلّ محكومين من قبل هؤلاء؟”، أي إلى متى سيظلّ السُّنّة محكومين من العلويين. ولهذا أمِل كلّ حراميّ ومهمّش اجتماعيًّا وشاذّ في أن يكون رئيسًا، وأن رئيس الدولة ليس أفضل منه بشيء.

من يعود إلى الوراء، ومن كان قريبًا، وفي الأوساط التي خرجت منها المظاهرات، كان يسمع لازمة أن الحرس الثوريّ الإيرانيّ هو من يحمي دوائر الدولة والمراكز الأمنية. وهذه المقولة بدأ الترويج لها منذ ما قبل أوّل مظاهرة في آذار 2011، وانتشرت كالنار في الهشيم، خصوصًا وأن وحدات مكافحة الإرهاب بدأت تظهر في نيسان من ذلك العام بلباسها الأسود المعروف. لا بدّ من التصعيد إذًا، ومحاربة “المدّ الإيرانيّ” الذي بدأت في تلك الفترة ظهورات أوصافه وألقابه “المجوسية، الفارسية، الرافضية….إلخ”، وترافق هذا التصعيد مع ظهور السلاح العلنيّ بعد أن كانت “البراءة” وراء المظاهرات، وأن “الشعب الأعزل” يواجه بصدره “رصاص النظام” وشعار “اللي بيقتل شعبه خاين” الذي لم يتذكّروه وهم يقتلون ويمثّلون بقتل أبناء شعبهم ويدرّبون الأطفال على التقطيع والتشنيع.

كان القصد واضحًا جليًّا، وهو خلق عدوّ منّا، ونسيان العدوّ الأساسيّ. وهذا بالضبط ما كان مرسومًا ومخطّطًا وما يراد الوصول إليه. الحشد باتجاه استبدال العدوّ، بطريقة ناعمة بسيطة غير معقّدة.

ما جرى في تونس ومصر وليبيا لاحقًا كان مقدّمات الوصول إلى العقدة الأساس في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” و”الجديد”، وهي إزاحة سوريا الاعتبارية قبل سوريا الدولة. أي سوريا التي تعرف المشروع المعادي وما يدبّر للمنطقة ككل. وقد كان هذا واضحًا لكلّ من يدّعون اليوم توبتهم والتغرير بهم، من مختلف الأوساط، دينية أو ثقافية او غيرها.

 

 

لا بدّ من الإشارة هنا أن القيادات الكردية وحدها كانت مخلصة لمشروعها الانعزاليّ، فضبطت الإيقاع الشعبيّ الكرديّ خارج الاندفاعة الطائفية، لتحقيق اندفاعتها الخاصّة، ولهذا أسباب أخرى وبحث آخر مستقلّ.

كانت المفاجأة تكبر شيئًا فشيئًا، فـ”جيش أبو شحّاطة” الذي سكت حين اعتدُي عليه، منذ البداية، لم يسكت ضعفّا، بل استيعابًا وجكمة. ولم يكن بحاجة لمن يحميه، بل تبيّن أنه يحمي حلفًا كاملاً. وهو ليس منظومة طائفية محصورة بقطعاتها، بل رسوخ شعبيّ حامل للسوريين كلّهم، ومحمول ومحتضن منهم. وأن هذا الجيش- الذي روّج، ليس الغوغاء فحسب، بل “مفكّرون” و”مثقفون” أن دباباته تحاصر الناس في مداخل البنايات في المدن، كما عبّر طيب تيزيني ومحمد حبش في 10 تموز 2011 بكلمتين على التلفزيون السوريّ أثناء انعقاد اللقاء التشاوري لمؤتمر الحوار الوطني- كان يتلقّى رصاص أبناء شعبه بصدر عاقل متأنّ، لأنه كان يعرف المخطّط وخباياه وما يريد الوصول إليه، ويستعدّ لإفشاله ونسفه إلى غير رجعة. وتراكمت المفاجآت، وصولاً إلى أن الجيش السوريّ استطاع أن يغيّر موازين القوى الدولية وشكل العالم كلّه.

السؤال الأخطر بعد هذا العرض الطويل. بعد سبع سنوات من الكذب والتلفيق والتزوير، وقد دفع السوريون جميعًا ما دفعوا من دم وتهجير وعوز وهروب، هل عاد لهم صوابهم؟

جوابي ببساطة: لا. وسأفصّلها هذه الـ”لا”.

السوريون بحاجة إلى تربية جديدة تعلّمهم تهجئة المواطنة، ولا يمكن البدء بمشروع هذه الورشة الكبيرة إلا بالإصلاح الشامل، وعلى المستويات كافّة، وأوّل شرط من شروط إصلاح الدولة، هو فصل الدين عن الدولة. وأرى أن الفرصة مؤاتية، وتقطع الطريق على اقتراحات الأصدقاء ومؤامرات الأعداء.

*كاتب وناشط سياسي سوري مقيم في دمشق

زر الذهاب إلى الأعلى