الدكتور العفوري : “تغريب” التعليم يطغى على مناهجنا.. والتسرب “الخفيّ” يطال (25%) من الطلبة
كرم الإخبارية – حاورتهُ : بثينه تيم السراحين
جزم الخبير التربوي البارز الدكتور “مصطفى العفوري” بأنّ خيار معاودة التعليم عن بُعد لن يكون مطروحاً ضمن تدابير مُجابهة العالم لأية موجة متجددة لجائحة كورونا خلال فصليّ الخريف والشتاء القادمين وفق ما حذر خبراء صحيون؛ معللاً الأمر ” بالنتائج الكارثية لهذا الخيار؛ والذي أفرز لدينا اليوم في الأردن حالات (تسربّ خفيّ) من قبل طلبة المدارس تتراوح نسبتها (25%) وبعدد يقارب (400) ألف طالب”؛ وفق تأكيده.
وحذر مدير عام مدارس النظم الحديثة من أنّ “تغريب” التعليم بات يطغى على مناهجنا التعليمية؛ ما خلق فجوة في الثقافة والثراث لدى النشء الجديد. في حين لفت إلى ضرورة تطوير إمتحان “التوجيهي” ورهنه بتطوير أسس القبول في الجامعات ليكون مثمراً وصالحاً للتطبيق.
وكشف الدكتور العفوري عن أنّ الطلبة من ذوي الإحتياجات الخاصة مثلوا الفئة الأكثر تضرراً جراء جائحة كورونا؛ حيث لا تزال محاولات تعويضهم عن الفاقد التعليمي تراوح مكانها لتبقينا في “الخطوط الخلفية”.
محاولات دعم القطاع الخاص من قبل وزارة التربية والتعليم لا زالت “خجولة” وفق الدكتور العفوري، ممن استدرك بأنّ هذه “مهمة الدولة في الأصل لتمهدة الطريق للتعليم الأهلي ليكون شريكاً حقيقياً في العملية التربوية”، والتي أطلعنا على الكثير من تفاصيلها الجديدة والهامة عبر حوار خصّنا به في “وكالة كرم الإخبارية” .. وتالياً نصّه:
*”مدارس النظم الحديثة” صدّرت الطالبة الأولى على مستوى المملكة في إمتحان “التوجيهي” الأخير، ماذا يعني لكم ذلك؟ وبالعودة إلى سجلات تحصيلكم الأكاديمي كم مرة حققتم هذا المركز من قبل؟
– مدارسنا “النظم الحديثة” اعتادت منذ تأسيسها على تصدير الطالب الأول في إمتحان “التوجيهي”؛ وقد أحرزنا هذا المُنجز لأربع مرات على مدار مسيرتنا التعليمية؛ حيث حاز النتيجة الأعلى في نتائج الثانوية العامة على مستوى المملكة قاطبة لأول مرة طالبنا مهتدي النبابتة؛ ومن ثمّ طالبنا يوسف الصوري؛ وتلتهما طالبتنا مريم البياتي، ومن ثم حازت هذه النتيجة للإمتحان الوزاري الأخير طالبتنا لين المومني. وبالإضافة لهؤلاء فقد حجز (18) طالباً من مدارسنا ترتيباً متقدماً لهم ضمن العشرة الأوائل في “التوجيهي”؛ وذلك منذ إنطلاق مسيرتنا التعليمية وحتى يومنا هذا.
وتعتبر هذه النتائج فرزاً طبيعياً لمنهجيتنا التي بنيت عليها مؤهلات المرحلة الثانوية في مدارسنا؛ وذلك عبر إعانة المتفوقين والكوادر الإدارية والتعليمية القادرة على صقل هذه المواهب والوصول بها إلى المرتبة الأولى. علماً بأنّ هؤلاء المتفوقين يعتبرون من ضمن طلبتنا الأصلاء الذي تدرجوا للنجاح على مقاعدنا الدراسية.
*عهدتم لأنفسكم بالتبني الأكاديمي للطالب صالح الشهير ب “فتى الزرقاء”؛ كيف رفدتموه بالدعم التعليمي في ظل معوقات المهارات الكتابية لديه؟ وهل تطلب الأمر إخضاعه لبرنامج تعليمي خاص ومنفرد من قبلكم؟
الطالب “صالح” كان يلتزم بحصصنا التعليمية الصفيّة أسوة ببقية زملائه؛ وذلك بالإضافة إلى أنه كان يحظى برعاية إستثنائية من قبل معلميه عقب إنتهاء الدوام الرسمي. والأهم من كل ذلك فإنّ ما أسهم بنجاحه وتفوقه هو كونه كان طالباً مجتهداً يتحلى بالكثير من قوة الإرادة والعزيمة والتصميم على النجاح.
*كيف تقيمون نسبة النجاح في إمتحان “التوجيهي” الأخير؛ والبالغة (63%)؟ وكيف تفسرون تدني نسبة النجاح في الفرع الأدبي والتي بلغت فقط (53,3%)، وذلك قياساً بنسبها الأعلى في الفرع العلمي (73,9%)، والفرع الشرعي (80,6%)؟
– هذه النسب تعتبر طبيعية لأنّ الكثير من طلبة الفرع الأدبي لا يعمدون لمراجعة دروسهم أولاً بأول لإعتقادهم الخاطىء بأنّ موادهم الدراسية سهلة ومن الممكن إنجازها قبل شهرين فقط من الإمتحان النهائي؛ وهذا النهج في الدراسة والتحضر للإمتحانات غير صحيح بالطبع. علماً بأن نتائج الفرع الأدبي الأخيرة كانت أفضل منها في السنوات السابقة.
وأما بخصوص نسبة النجاح في إمتحان “التوجيهي” الأخير؛ فهي ممتازة وتعكس – وفق دراساتنا الإحصائية الميدانية – صورة حقيقية عن مستوى الطلبة في عمومه.
*حملة “ذبحتونا” اعتبرت أن نسب النجاح والمعدلات المرتفعة لا تعكس واقع التعليم في الأردن وتستهدف ضرب “التوجيهي” والجهد المبذول لإفقاده القدرة على تقييم الطلبة .. تعقيبكم؟
– جرت العادة بأن تقدم حملة “ذبحتونا” ملاحظات عدة؛ منها ما هو حقيقي وإيجابي؛ فيما تطرح في أحايين أخرى ملاحظات تميل إلى السلبية. ونأمل أن تطور هذه الحملة جهودها في طرح حلول واقعية وقابلة للتنفيذ، وعدم الإكتفاء بالنقد فقط.
* في الإتجاه المغاير يرى الخبير التربوي ذوقان عبيدات أن الإمتحانات الحالية “التوجيهي” تعتمد على الحفظ والتلقين ولا علاقة لها في بناء الشخصيات، مطالباً بمنح طلبة التوجيهي نتائج علاماتهم دون تقييم راسب أو ناجح لتلافي التوترات المرتبطة بالنجاح والفشل والتنافسات ووصمات الفشل المجتمعية.. رأيكم؟
– أحترم رأيه كتربوي عتيق وأتفق معه، ولكن الحل المطروح له سلبياته وآمل أن تكون هنالك حلولاً أكثر إيجابية. وأنا شخصياّ أؤيد إعتماد التقدير بدرجات A B C ، وليس بعلامات مجردة.
*وزارة التربية والتعليم أعلنت مؤخراً عن أن إمتحان “التوجيهي” يحتاج لإعادة نظر لكونه لم يعد مقياساً لقدرة الطالب، متوقعة تعديل آلياته خلال العامين المقبلين لإحالته مجرد وسيلة للقبول الجامعي وليس لتحديد التخصص الجامعي؛ والذي يحتاج – حسب طرح الوزارة – لسنة جامعية تحضيرية تتحدّد وفقها قدرات الطلبة وميولهم.. هل تجدونه طرحاً مناسباً .. ومسعىً جدياً من قبل الحكومة؟
– أنا أؤيد هذا الطرح؛ وكان لي رأي مشابه في لقاءات ومؤتمرات سابقة ذات صلة؛ حيث أرى بأنّ إمتحان “التوجيهي” يجب أن يكون مرتبطاً على نحو وثيق بأسس القبول في الجامعات. فإذا ما توافق تطوير إمتحان “التوجيهي” مع تطوير أسس القبول في الجامعات فإن هذا التطوير سيكون مثمراً وصالحاً للتطبيق.
*أكثر من مليونيّ طالب إلتحقوا بالتعليم المدرسي مؤخراً، اكتظت بغالبيتهم المدارس الحكومية البالغة (7) آلآف مدرسة، ، فيما اجترحت الحكومة حلولاً لإستيعاب نحو (22) ألف طالب كانوا على قوائم الإنتظار.. من منظورك كخبير تربوي هل تُنذر هذه “الترقيعات” بمزيد من تردي الواقع التعليمي خاصة في ظل ما كشفه وزير التربية والتعليم عن ” تراجع” في المخصصات المالية لوزارته “الحيوية” قياساً بالسنوات الماضية؟
– المعلومات الدقيقة موجودة لدى كوادر الوزارة وهي الأكثر قدرة على تقييم النتاجات المرجوة. ولكن الإكتظاظ في المرافق التعليمية الحكومية سيترك أثراً ليس من السهل التغلب عليه، حيث يجب توفير مبانٍ مدرسية جديدة، وهذا قد يكون صعباً للغاية. كما يتوجب توفير كوادر مؤهلة من خلال تعيين كوادر جديدة مُدرّبة؛ وهذا كله يحتاج إلى مخصصات إضافية قد يمكن التغلب عليها عبر التوجه إلى القطاع التعليمي الخاص ليتحمل بدوره جزءاً كبيراً من هذه التكاليف؛ ما يتطلب ضرورة تسهيل مهمته هذه.
*تعانون اليوم في قطاع التعليم الأهلي من هجرات متلاحقة لطلبتكم، بلغ تعدادها في السنة الحالية نحو (16) ألف طالب، ما أثر ذلك لجهة تهديد صمودكم بنيوياً وأكاديمياً ولوجستياً؟ .. وهل تتلقون الدعم الحكومي المطلوب في ظل ما صرح به وزير التربية والتعليم من كونكم “شركاء” في تطوير التعليم الوطني؟
– لا شك أن الوضع الإقتصادي هو السبب الرئيس لهذه الهجرات. والوزارة قامت بمحاولات “خجولة” لدعمنا؛ علماً بأنّ هذا الدور ليس مطلوباً منها بقدر ما هو مسؤولية الدولة بشكل عام، والتي عليها تبني منظومة تشريعات وقوانين معززة لعملنا في القطاع الخاص، وبما يتيح الإفادة من إمكانياتنا كشريك فاعل في العملية التعليمية.
* وزير التربية والتعليم الدكتور وجيه عويس أعلن عن خطة ترمي للوصول إلى نظام تعليمي يليق بسمعة الأردن، والذي كان دوماً في طليعة الأنظمة التعليمية في المنطقة – حسب تعبيره، هل يُعدُّ ذلك مطمحاً واقعياً في ظل ما أوردته تقارير البنك الدولي من أنّ نسبة الفقر التعليمي في الأردن بلغت (52%) عام 2020م، وهي نسبة تراوح مكانها حسب كافة المؤشرات؟
– كل شيء ممكن تحقيقه، والكوادر البشرية المتوفرة بإمكانها تحقيق هذا الطموح وبما يفوقه أفضلية أيضاً؛ خاصة إذا ما توفر التخطيط والتوجيه الصحيح، وتضافرت جهود القطاعين العام والخاص؛ لينصهروا في بوتقة واحدة بحيث يستفيد القطاع العام من إمكانيات القطاع الخاص ضمن منظومة تكاملية، وذلك في الوقت الذي يتواصل الدعم الحكومي المطلوب للقطاع التعليمي الخاص.
*بالحديث عن مكافحة الفقر التعليمي، والتي تستوجب تعميق المعرفة والإلمام باللغة الأمّ للطلبة ممن تعتبر – وفق خبراء – شرطاً أصيلاً لفهم ودراسة كافة العلوم والمناهج الأخرى، نلمس أنكم في “مدارس النظم الحديثة” تنبّهتم لهذا الأمر حيث أنشأتم “نادي القراء” وعقدتم المسابقات القرائية، ومعارض الكتب الدورية، ما الخبرة التي تطرحونها للقائمين على القطاع التعليمي في هذا السياق؟
– مخزوننا الثقافي التراثي هو مخزون عربي إسلامي مبني برمته على اللغة العربية في الأصل، وذلك إضافة لكونها لغة القرآن الكريم الذي يعتبر المرجع الرئيسي والأساسي لنا.
ولا ننسى أن موروثنا الثقافي التاريخي والفكري والإجتماعي كان مصدراً للثقافات الأخرى من حيث شموليته وعدالته. ولكن مع إبتعاد الطلاب عن اللغة العربية الأصيلة أصبح “تغريب” التعليم حاضراً وبصورة لافتة، وبات يطغى على مناهجنا التعليمية. ما خلق فجوة في الثقافة والتراث.
وبناءً على ما تقدم إرتأينا في “مدارس النظم الحديثة” ضرورة المحافظة على اللغة العربية كأساس لدعم وتطوير إمكانيات الطلبة فيها؛ وصولاً لتعزيز وصقل مهاراتهم الإستيعابية لبقية العلوم.
*في ظل الإستراتيجية الوطنية للقرائية التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم مؤخراً وذلك للعمل عليها على مدار السنوات الخمس القادمة، ما مدى أهمية ربط الطلبة بدور تحفيظ القرآن الكريم وتشجيع عملها، خاصة وأنها في الماضي أفرزت جيلاً مؤهل لغوياً، بل وتربوياً؟
– بإعتقادي أن دور تحفيظ القرآن الكريم لها دور هام جداً بإبقاء الصلة بين الطلبة “الجيل الجديد” مع حضارتنا وموروثنا الديني والتربوي، وهذا مطلوب. لذا فإننا نشجع عمل هذه الدور ضمن ضوابط وتشريعات واضحة ومُلزمة للقائمين عليها.
* أزمة التعليم جرّاء جائحة “كورونا” تشعبت، فما أثرها – وفق علمك- على نسب التسرب من المدارس، وعلى فئات الطلبة اللاجئين، والأهم على فئات بعينها مثل “ذوي الإحتياجات الخاصة” ممن تتطلب عملية دمجهم التعليمي كلفة مضاعفة عمّن سواهم من الطلبة؟
– الجائحة تركت أثراً بليغاً وبنسب عالية جداً على صعيد حالات التسرب من المدارس التي لم يتم رصدها أثناء الجائحة؛ لكون الطالب كان يبدو “ظاهرياً” مُلتحق بالمنصّات التعليمية ولكنه في واقع الأمر لم يكن يحضر نهائياً، وهذا عدا عن حالات التسرب الكليّ التي تمّ رصدها.
وما زال كثير من الطلبة – وبموافقة من الأهل – يعيشون نفس الدور الذي عايشناه أيام الجائحة، ويعتقدون بأنّ التعليم الإلكتروني يسدُّ الحاجة، وهذا بحدّ ذاته كارثة. فأنا لستّ ضدّ التعلم عن بُعد، ولكن يجب أن يكون داعماً للتعليم الوجاهي وليس بديلاً عنه.
وبلغة الأرقام؛ فإنّ نحو (20%) إلى (25%) من مجمل طلبة المدارس وبعدد يقارب (400) ألف طالب يمارسون اليوم سلوك التسرّب (الخفي)؛ سواءً على نحو كليّ أو جزئي.
وأما بما يتعلق بالطلبة من ذوي الإحتياجات الخاصة؛ فإنّ إمكانياتهم المادية لم تكن لتسمح لهم للتعلم عن بُعد إبان الجائحة، ما يعني بأن الأثر والضرر الذي لحق بهم على صعيد التعلم كان أبلغ وأشدّ مما لحق بالفئات الأخرى من الطلبة. وبالرغم من أنّ المؤسسات التعليمية التي يخضعون لها تحاول قدر المستطاع تعويضهم الفاقد التعليمي إلا أنّ وضعهم لا يزال دون المستوى المطلوب في ظلّ الأضرار الكبيرة التي أحاقت بهم. ولا شكّ أن الوزارة رصدت جهوداً لجهة تطوير أداءها معهم؛ إلا أننا لا زلنا في الخطوط الخلفية.
*خبراء صحيون حذروا من معاودة جائحة “كورونا” للتفاقم إبان فصليّ الخريف والشتاء القادمين، فهل ينذر ذلك – وفق تخمينكم – بمعاودة نظام التعليم عن بعد أو التعليم المدمج على أقل تقدير؟ وما أثر هذه التقلبات الصحية على خطط التطوير التربوي التي أعلن عنها وزير التربية والتعليم خلال مشاركة الأردن مؤخراً في قمة تحويل التعليم الأممية؟
– عقب التجربة التعليمية التي خاضعها العالم ككل ومن بينها الأردن في ظلّ جائحة كورونا؛ فإنني لا أعتقد أن هناك نية لمعاودة إتباع نهج التعليم عن بُعد مهما كلفت النتائج. كما أنني أجزم بأنه لن يكون هنالك من سينادي بهذا الطرح مجدداً بسبب ما خلفته نتائجه الكارثية على العملية التربوية في العالم قاطبة.