الخلل في مفهوم المسؤولية

سامح المحاريق

وتحولت مأساة وفاة الطفلة لين أبو حطب بمضاعفات انفجار الزائدة الدودية إلى حديث فني وقانوني عن الأخطاء الطبية تتوارى خلفه ضرورة مراجعة واقع القطاع الصحي في البلاد، وتوازى مع ذلك تواضع مستوى المسؤولية لتنحصر في الأطباء المناوبين أثناء مراجعة لين لقسم الطوارئ في مستشفى البشير ويصبح الوزير المختص قاضياً وجلاداً يشترك في محاكمة الفريق العامل في ميدان يعرف الوزير قبل غيره مدى صعوبته.
قضية لين ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فالأخبار تتحدث عن حالة هنا وأخرى هناك، وهي أخبار تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكن التأكد من صحتها أو دقتها، ولكن تبقى لين فصلاً مأساوياً جديداً بعد الطفلة سيرين التي توفيت في نفس الظروف وفي ذات الموقع العام الماضي، أي أن الخلل الجوهري الذي يسفر عن هذه الحالات المأساوية ما يزال قائماً، وهذه مأساة أخرى في حد ذاتها، فإن نفقد القدرة على التعلم من أخطائنا يعني أن تتحول هذه الأخطاء إلى أمر اعتيادي يجب أن نتعايش معه.
تصريحات وزير الصحة تفصح عن مشكلة شائعة بين المسؤولين الوزاريين في السنوات الأخيرة وتدلل على فداحة الإدراك الخاطئ لمفهوم المسؤولية، فالوزير مسؤول عن توفير الأجواء الإيجابية للعمل في مختلف المستشفيات لتقديم خدمة الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين، وأي اضطراب أو تقصير في ذلك يقع ضمن مسؤوليات الوزير، والتحجج بالأطباء يتجاهل مجموعة من الحقائق الأساسية تتعلق بكيفية تعيين أطباء غير مؤهلين، أو تعيين أطباء مؤهلين وسلبهم الأدوات الضرورية من أجل أداء أعمالهم على الوجه المقبول.
الوزير الحالي ليس استثناءً، ووزارته كذلك، ومع أن بعضاً من الوزراء استقالوا تحت ضغط الشارع الغاضب، إلا أن ذلك لا يبدو حلاً، فمع الأخطاء الطبية أو غيرها من الأخطاء لن يتمكن وزير من استكمال أي فترة معقولة لإصلاح القطاع الصحي أو أي قطاع هو مسؤول عنه، وهو ما يستدعي البحث في خلفية المشهد قليلاً.
يقول وزير الصحة إنه توجه بالطلب من ديوان الخدمة المدنية لتزويد المستشفيات بالكوادر الطبية التي تحتاجها، وكانت إجابة الديوان تتعلق بعدم توفر التخصصات، وبذلك يمكن أن تنتقل المشكلة إلى وزارة التعليم العالي التي ما تزال تتعامل باستخفاف مع قضية تزويد الأردن بالمهن الطبية المختلفة وتحصرها في مجموعة من الجامعات مع أعداد محدودة للقبول، ومع أن جمعاً من أفضل الأطباء هم من خريجي دول الكتلة الشرقية أو دول عربية أخرى، فإن تصحيح أوجه الخلل في جامعاتنا لا يعد أولوية لأن وزير التعليم العالي ليس في مواجهة نفس الضغوطات التي أوصلتنا للبحث عن كوادر طبية في بلد كان رائداً في خدماته الصحية على مستوى المنطقة ككل.
التعليم العالي تستبقي يدها خارج النار، مع أن أسئلة وجيهة يجب أن تطرح في وجهها، فمثلاً من بين ألفي طالب يلتحقون بكليات الطب كم منهم يستطيع أن يستكمل مشواره حتى التخرج؟ أليس ذلك خللاً في أسس القبول؟ وكيف يمكن تفسير التكلفة الباهظة لدراسة الطب في نظامي التنافس والموازي على السواء؟ ألا يمكن أن يتعهد الطالب بالخدمة في مستشفيات وزارة الصحة لثلاث أو خمس سنوات مقابل تخفيض تكلفة التعليم، وذلك مقابل أجر معقول في معادلة منصفة بين ما يقدمه من خدمات وما يكتسبه من خبرات؟
لم ننجز شيئاً بأن وجهنا كرة المسؤولية تجاه الطرف الأضعف من أطباء مناوبين، وسيبقى الفهم القاصر للمسؤولية وامتدادها على مستوى مختلف الجهات المعنية تحدياً ماثلاً أمامنا يواجهنا بالمشكلة بعد الأخرى.

الغد

زر الذهاب إلى الأعلى