التنويع الاقتصادي وتخفيف أثر الأزمات 

بقلم: الدكتور محمد ابو حمور*

لغايات التكيف مع المستجدات الاقتصادية ومع الظروف الإقليمية وأزماتها المتعددة من المهم أن نعمل على تطوير وتفعيل السياسات الاقتصادية التي تحافظ على زخم النمو وتقلص الاثار السلبية لما قد يطرأ من ظروف وتداعيات سلبية ناجمة عن الأزمات الإقليمية.

وفي هذا السياق نستطيع تناول فكرة التنويع الاقتصادي ودورها في تحفيز وتنويع القطاعات الاقتصادية المختلفة ورفع قدراتها البشرية والتكنولوجية وتوفير المرونة اللازمة للتعامل مع التغيرات المختلفة وصولاً الى تنويع الهيكل الإنتاجي وزيادة مساهمة القطاعات في نمو الناتج المحلي، وتقليص مخاطر الاعتماد على قطاع واحد أو عدد محدود من القطاعات، وهذا يساهم في تعزيز منعة الاقتصاد وتوليد فرص عمل تستوعب الايدي العاملة وتحسن تنافسية المنتجات الوطنية عبر توثيق الروابط الإنتاجية والحفاظ على استدامة سلاسل الامداد.

ولا شك أن السياسة المالية تقوم بدور مؤثر في التنويع الاقتصادي وذلك من خلال توجيه النفقات الرأسمالية اللازمة لبناء قاعدة تشجع الاستثمارات وتساهم في بناء راس المال البشري ذي الإنتاجية المرتفعة.

ومن جانب آخر يعتبر التنويع الاقتصادي أداة هامة للتمكن من تحقيق الخطط المستقبلية عبر الحفاظ على استقرار أداء المالية العامة من حيث توفير مصادر إيرادات متنوعة تتيح الاستمرار في تقديم الخدمات للمواطنين وتجنب اللجوء الى الاستدانة المفرطة الهادفة الى تغطية النفقات الجارية.

ولعل ذلك يبدو جلياً في المصاعب التي يعاني منها قطاع السياحة، وكذلك ما ترتب على تغير النمط الاستهلاكي وتراجع الطلب على بعض المنتجات الأجنبية، هذا على مستوى الازمات الإقليمية.

كما يبدو جلياً أيضاً في الاثار المترتبة على حصيلة الضريبة على المشتقات النفطية نتيجة لزيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية ومصادر الطاقة البديلة، كما هو واضح أيضاً في تقلبات أسعار مادتي الفوسفات والبوتاس التي شهدناها خلال الفترة الأخيرة.

القدرة على بناء اقتصاد متنوع تتطلب إدارة ذات كفاءة عالية قادرة على مواكبة المتغيرات المحلية والعالمية وتستطيع تحويل التطورات التكنولوجية الى فرص عبر بناء الخبرات والكفاءات البشرية القادرة على الابتكار والابداع، وهذا يتطلب مواصلة الإصلاحات الإدارية والاقتصادية التي تسرع وتيرة النمو وبما يؤدي الى تحسين بيئة الاعمال وتوفير الظروف الملائمة لتحفيز وجذب الاستثمارات وترقية البنية التحتية القادرة على استيعاب المتطلبات الإنتاجية والخدمية ذات العلاقة.

ومن المعلوم أن ذلك لا يتم بين ليلة وضحاها الا أن الأردن لديه من المقدرات المادية والبشرية والامكانيات والخبرات والثروات المتنوعة التي تتيح المضي قدماً في تعزيز التنوع الاقتصادي الذي يساهم في بناء اقتصاد مستدام وتحقيق التنمية التي تنعكس اثارها الإيجابية على مختلف فئات المجتمع وتنهض بمستوى معيشة المواطن وتؤمن ما يحتاجه من خدمات.

يعدُّ التنويع الاقتصادي صمام أمان للسياسة المالية ومصدر قوة للاقتصاد بشكل عام ويساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ويفعل القطاعات الإنتاجية، كما يساهم في تنويع فرص العمل وتوليد مزيد منها ويفتح المجال أمام الاستثمارات، ويخلق فرصاً لمشاريع مستحدثة، ويمكن أن يشكل أداة لتعزيز وتوطيد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، هذا بالإضافة الى أن التنويع يساهم في تقليص الأثر السلبي للأزمات ويعزز القدرة على التكيف مع التطورات التكنولوجية والاستفادة منها، ويمكن الاقتصاد من مواصلة تحقيق نسب نمو إيجابية في مختلف الظروف.

*وزير المالية الأسبق

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى