التطورات في سوريا والانعكاسات الاقتصادية المستقبلية
بقلم: الدكتور محمد أبو حمور
شهدت العلاقات الأردنية السورية خلال الفترة الممتدة منذ بداية الثورة السورية في عام 2011 وحتى سقوط النظام قبل بضعة أيام تذبذباً مستمراً، وكان لها تأثير واضح على الأردن سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
ولعل أبرزها تمثل في تدفق أكثر من 1.3 مليون لاجئ الى الأردن وما ترتب على ذلك من أزمة إنسانية وأعباء اقتصادية وضغوط على البنية التحتية والمقومات الاقتصادية الأخرى خاصة وأن الدول المانحة لم تفي بكامل التزاماتها تجاه اللاجئين السوريين.
كما فقد الأردن أحد أهم شركائه التجاريين، ناهيك عن الأثر المترتب على الصادرات الأردنية التي كانت تمر عبر المعابر السورية الى لبنان ودول أوروبا وكذلك المستوردات عبر الموانئ السورية.
يضاف لذلك الخسائر التي تعرض لها قطاع السياحة وتعطل عمل الشركات والمنطقة الحرة المشتركة، كما أن عدم الاستقرار على الحدود الشمالية فرض تحديات أمنية وخاصة تلك المتعلقة بتهريب المخدرات، ورغم أن الأردن لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع الدولة السورية في حينه الا أنه أضطر في عام 2015 لإغلاق الحدود بشكل كامل، وأعيد فتحها جزئيا أواخر عام 2018.
وتشير بعض التقديرات الى أن خسائر الاقتصاد الأردني نتيجة لإغلاقات المعابر الشمالية تصل الى نحو 20 مليار دولار، ورغم التحسن الذي شهدناه خلال السنوات اللاحقة والجهود الرسمية والشعبية لتحسين العلاقات الاقتصادية مع سوريا الا أن حجم التبادلات التجارية كان متواضعا، خاصة في ظل تفشي وباء كورونا والعقوبات على سوريا وقانون قيصر الأمريكي.
تتجه الأنظار اليوم الى سوريا والأمل معقود أن ينجح الاشقاء في بناء دولة ديمقراطية تحترم الخيارات الشعبية وتبني علاقات متوازنة مع دول الجوار تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون البناء الذي يفضي الى نهضة اقتصادية وتنموية تساهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين مع الحفاظ على المنجزات والبناء عليها.
والنجاح في تحقيق هذه المهمة سينعكس بالدرجة الأولى على الشعب السوري الشقيق، وكما أن عدم الاستقرار الذي شهدته سوريا أثر سلباً على الأردن فمن المتوقع أن بناء الدولة السورية الحديثة واستقرار أوضاعها ستنعكس اثاره الإيجابية على الأردن وباكورة ذلك سوف تتمثل في العودة الطوعية لجزء كبير من لأشقاء السوريين الى بلادهم، والتوصل الى تفاهمات حول القضايا الخلافية، كما أن فتح المعابر الحدودية سوف يسهل انسياب حركة البضائع بين البلدين وكذلك سوف ينشط تجارة الترانزيت وحركة النقل والسياحة.
ومن المؤمل أن تلغى العقوبات المفروضة على سوريا في أقرب وقت مما سيشكل حافزاً أساسياً لتنشيط التجارة والبدء في عملية اعمار شاملة يساهم فيها الأردن بشكل فعال
كما أن مشاريع تصدير الكهرباء الى سوريا وعبرها الى لبنان ستصبح ممكنة، وسوف يستأنف عمل الشركات والمنطقة الحرة المشتركة، خاصة إذا تم تفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة بين البلدين، والعمل على إزالة المعيقات التي يمكن أن تعترض تطور العلاقات الاقتصادية المشتركة.
التطورات المستقبلية مفتوحة على مختلف الاحتمالات الا ان العلاقات التي تربط الأردن وسوريا تستند الى قواعد راسخة شعبية ورسمية والتواصل بين رجال الاعمال في البلدين قائم على أعلى المستويات، والامكانيات متوفرة لبناء شراكة وتعاون يحقق الطموحات ويخدم المصالح المشتركة ويسهم في الارتقاء بمستوى العلاقات التجارية والاستثمارية بما يتيح اقصى استفادة ممكنة من الفرص الاقتصادية.
كل ذلك مرهون بما سيوؤل عليه الوضع في سوريا والفتره الزمنية التي تحتاجها للعودة للوضع الطبيعي المستقر والامن وقدرتها على التكيف في احتواء الاثار السلبيه وبناء علاقات متينه مع دول الجوار وبناء الدوله التي تقوم على المؤسسات واحترام الفرد وضمن اطار ديمقراطي يشارك فيه الجميع ويحظى بالرضا والقبول.