“التحرش الجنسي”.. غموض في “تعديلات العمل” يثير جدلا حقوقيا

بينما لم تصدر النسخة النهائية من قانون العمل بعد إقرار لجنة العمل النيابية قبل أكثر من شهر ونصف الشهر التعديلات الحكومية، تثير المادة 29 من القانون جدلا فرضه عدم وضوح المقصود بـ”التحرش الجنسي”، وآليات محاسبة المتحرش، وسبب إنصاف الضحية.
ويؤكد خبراء أن التعديل الذي تم إقراره على المادة 29 التي أضافت حالة “تعرض العامل للتحرش الجنسي”، غير كاف كون تعديل المادة كان يجب أن يشمل معاقبة الموظف، في حال ارتكابه تحرشا جنسيا وليس فقط صاحب العمل، مع تعديل تعريف التحرش الجنسي الذي تمت إضافته ليتضمن صياغة قانونية أدق.
ويضيف التعديل الجديد في المادة 29 نسخة 2020، “التحرش الجنسي” إلى “الاعتداء الجنسي” سابقا كأحد الأسباب لترك العمل مع الاحتفاظ بالحقوق القانونية، في حين كانت المادة في نسخة القانون العام 2008 تعاقب على الاعتداء الجنسي، والتي أضيفت لحالات ترك العمل مع الاحتفاظ بالحقوق القانونية، وكذلك تم اضافة بند يسمح للوزارة باغلاق المنشأة لمدة تقررها، في حال ثبوت وقوع اعتداء جنسي على أحد الموظفين او الموظفات لا يشمل التحرش الجنسي، بل الاعتداء الجنسي فقط.
وفي هذا الصدد، يؤكد مدير بيت العمال حمادة ابو نجمة ضرورة أن ينسجم تعريف التحرش مع المعايير الدولية، وخاصة اتفاقية العمل الدولية رقم 190 التي صدرت العام 2019 عن مؤتمر العمل الدولي الذي عقد برئاسة وزير العمل الأردني، وبمشاركة ممثلي العمال وأصحاب العمل والحكومة ومجلس النواب، كما يجب أن يتضمن أحكاما خاصة بالوقاية من التحرش ومسؤولية صاحب العمل في توفير بيئة عمل تحد من التحرش، وإجراءات خاصة بسبل الإنصاف لمن يتعرض للتحرش وعدم الاكتفاء بالسماح له بترك العمل باعتبار أن ذلك يزيد في معاناته بسبب فقدان وظيفته. وقد اضافت لجنة العمل إلى النص شرط تقديم العامل المتضرر من التحرش شكوى إلى وزارة العمل، وهو أمر يزيد في عرقلة إمكانيات حماية العامل وحصوله على حقوقه.
ويفسر أبو نجمة هذه النقطة بالتأكيد على أن إضافة تعريف للعنف والتحرش يشكل تقدما نوعيا في القانون والحمايات، شرط أن يتضمن تعريفا لكل من العنف والتحرش في العمل، والعنف والتحرش على أساس نوع الجنس، وأن يشمل ذلك العمال وغيرهم، مثل: (المتدربون، طالبو العمل، من انتهت خدماتهم…)، وأن يشمل أيضا كافة الأماكن والأوقات ذات العلاقة بالعمل، ومنها مكان أداء العمل، والسكن العمالي، وأماكن الاستراحة، وأماكن تناول الطعام، خلال السفر والنشاطات المرتبطة بالعمل، وخلال الاتصالات ذات العلاقة بالعمل، وخلال الذهاب إلى العمل والعودة منه.
كما يجب أن يتضمن حظرا صريحا للعنف والتحرش بكافة أشكاله، وعقوبات خاصة بذلك، وكذلك الإجراءات المطلوبة من أصحاب العمل لمنع العنف والتحرش، كاعتماد وتنفيذ سياسة خاصة بذلك في مكان العمل، وتوعية العمال والمعنيين الآخرين بها، وتقييم مخاطر العنف والتحرش، ووضع التدابير اللازمة للوقاية منها، ومراعاتها في إدارة شؤون السلامة والصحة المهنية، بحسب أبو نجمة.
وقال: “أما ما يقال عن أن التعديل يتضمن إعطاء العامل المعتدى عليه حق ترك العمل والمطالبة بالتعويضات، فهو تعديل لا يفي بالغرض، ويحمل العامل مسؤولية ملاحقة صاحب العمل في الوقت الذي يكون فيه قد فقد وظيفته ومصدر دخله، وعانى من آثار العنف والتحرش الذي وقع عليه، علما بأن هذا التعديل لا يأتي بجديد لأن هذا الحق وفرته المادة 29 منذ العام 2008 عند تعديلها بالقانون المعدل رقم 48، وبموجبه تم منح وزير العمل صلاحية إغلاق المؤسسة للمدة التي يراها مناسبة إذا تبين له وقوع اعتداء من صاحب العمل أو من يمثله بالضرب أو بممارسة أي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي على العاملين المستخدمين لديه”.
بدورها قالت جمعية تضامن النساء “تضامن” في بيان صدر عنها إنه “بتاريخ 19 كانون الثاني (يناير) العام 2020، أحال مجلس النواب مشروع قانون معدل لقانون العمل لسنة 2020، إلى لجنته القانونية لدراسة التعديلات المقدمة من الحكومة على القانون، ومن بين النصوص التي شملتها هذه التعديلات، نص المادة 29 المتعلقة بالاعتداء الجنسي الذي يقوم به صاحب العمل أو من يمثله على العامل/العاملة، والعقوبات المفروضة عليه في هذه الحالة”.
وتشير (تضامن) الى أن “النص الحالي للمادة 29 الفقرة (أ/6) من القانون هو: يحق للعامل أن يترك العمل دون إشعار، مع احتفاظه بحقوقه القانونية عن انتهاء الخدمة وما يترتب له من تعويضات عطل وضرر، وذلك إذا اعتدى صاحب العمل أو من يمثله عليه في أثناء العمل أو بسببه، وذلك بالضرب أو التحقير أو بأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي المعاقب عليه بموجب أحكام التشريعات النافذة المفعول”.
ونصت الفقرة (ب) من المادة نفسها على أنه: “إذا تبين للوزير وقوع اعتداء من صاحب العمل أو من يمثله بالضرب أو بممارسة أي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي على العاملين المستخدمين لديه، فله أن يقرر إغلاق المؤسسة للمدة التي يراها مناسبة، وذلك مع مراعاة أحكام أي تشريعات أخرى نافذة المفعول”.
من جهتها تؤكد الخبيرة القانونية هالة عاهد، من جهتها، أن “المادة 29 بتعديلها المقترح من الحكومة لا تعاقب إلا صاحب العمل أو من يمثله، وبذلك لا يعاقب الموظف أو العامل في حال ارتكب هذا الفعل، والتعريف الموضوعي للتحرش يحتاج الى صياغة قانونية أدق”.
وفي اجتماع سابق عقدته اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، اتفق عدد من الخبراء وهم مدير بيت العمال، حمادة ابو نجمة، والنائب السابق ريم بدران، والخبيرة الحقوقية هالة عاهد، ومديرة مؤسسة عالم الحروف ميادة ابو جابر، وممثلة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، ديمة عربيات، ومستشارة منظمة العمل الدولية، ريم اصلان، على اقتراح بأن تنص المادة 29 على: “يحق للعامل ان يترك العمل دون إشعار صاحب العمل مع احتفاظه بحقوقه القانونية عن انتهاء الخدمة وما يترتب له من تعويضات عطل وضرر إذا اعتدى صاحب العمل أو من يمثله أو أي عامل آخر عليه بأي شكل من أشكال العنف والتحرش، وذلك في مكان العمل أو في الأماكن المرتبطة به أو الناشئة عنه أو خلال التنقل أو السفر أو الرحلات الخاصة بالعمل، أو خلال الاتصالات المرتبطة بالعمل والمتاحة بأي شكل من أشكال الاتصال الحديثة ووسائلها، أو خلال فترة التدريب أو في مكان الإقامة التي يوفرها صاحب العمل للعاملين لديه بما فيها السكنات العمالية”.
واقترحوا كذلك أن تنص الفقرة “ب” من المادة ذاتها على: “مع مراعاة أحكام أي تشريع آخر ساري المفعول، إذا تبين للوزير وقوع اعتداء من صاحب العمل أو من يمثله أو أي عامل آخر أو أي شخص متواجد في مكان العمل بممارسة أي شكل من اشكال العنف والتحرش على أي عامل من العاملين المستخدمين لديه أو طالبي الوظائف أو المتدربين ولم يتخذ صاحب العمل التدابير اللازمة لمنع ذلك أو متابعة الشكوى في حال ورودها إليه، فله ان يقرر إغلاق المؤسسة جزئيا أو كليا وللمدة التي يراها مناسبة مع عدم الإخلال بحقوق العمال الآخرين وأجورهم، وإحالته إلى المحكمة المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه، بموجب أحكام هذا القانون والتشريعات الأخرى النافذة ذات العلاقة”.
ولغايات هذه المادة، يقصد بالعنف والتحرش، أي سلوك أو ممارسة أو فعل أو لفظ غير مرغوب به، أو التهديد بإيقاعه سواء حدث مرة واحدة أو عدة مرات، ويهدف أو ينتج عنه أو من المحتمل أن ينتج عنه ضرر جسدي أو نفسي أو اقتصادي، كما اقترحه الخبراء.
كما شددوا على ضرورة اضافة بند جديد للمادة ينص على: “يصدر الوزير تعليمات يحدد بموجبها السياسات الواجب على أصحاب العمل اتباعها لمنع العنف والتحرش في عالم العمل والتدابير اللازمة للوقاية منه وإجراءات التبليغ ومتابعة الشكوى وتدابير ملاحقة المعتدي وإنصاف الضحية”.

رانيا الصرايرة – الغد

زر الذهاب إلى الأعلى