التحدي الكبير أمام الدولة

مؤسسات الدولة مثل الماكينات تحتاج لعمليات صيانة دورية لتحافظ على كفاءتها وفعاليتها. ومع مرور الوقت تصبح الحاجة ماسة لتبديل في محركاتها لتضمن الاستجابة الكاملة لمتطلبات العمل والانتاج.

مع تشكيل حكومة الدكتور عمر الرزاز قبل سنة، تبنت الدولة مشروع النهضة كإطار شامل لتطوير الأداء العام، وتكريس شعار الاعتماد على الذات، والمضي قدما بعملية الاصلاح.

خطة طموحة دون شك، لكن الحكومة الحالية كسائر الحكومات السابقة، تجد نفسها منشغلة بعشرات الأولويات والاستحقاقات الطارئة، وتسيير أعمال الوزارات والدوائر اليومية، ناهيك عن الوقت الذي تقضيه في إدارة العلاقة مع البرلمان.

ومن بين المسائل الحاسمة في تحديد قدرة المؤسسات على تحقيق أهداف مشروع النهضة، دور النخب السياسية المنخرطة في إدارة العملية.

في الوضع الحالي للنخب خارج وداخل الأطر الرسمية، تبدو العملية برمتها محفوفة بالمخاطر. هناك خيبة امل كبيرة حيال أداء النخب في السنوات الماضية، كان له الأثر السلبي البالغ على صورة الدولة ومكانتها في أعين المواطنين، تجلى في تدني الثقة بالمؤسسات المدنية تحديدا، جراء الانهيار المريع بالمركز الأخلاقي لهذه النخب، وتقديم المصالح الشخصية على حساب المصلحة الوطنية، وتوظيف النفوذ السياسي لمكاسب مادية وشخصية دون اعتبار للصالح العام، والقدرة العجيبة لأصحاب المال في اختراق النخبة وشراء الولاءات.

ساهمت التحولات التي شهدها الأردن في سنوات الربيع العربي في اجتذاب عناصر جديدة لصفوف النخبة، وبروز وجوه شابة في المشهد العام. لكن عملية الاصلاح باتت تفرض تغييرات أوسع وأعمق في صفوف النخبة والمؤسسات. ولا يمكن للعملية أن تحقق النجاح، إلا إذا كانت مدارة بوعي ورؤية ناضجة من جانب عقل الدولة الأردنية، بما ينسجم والمصالح الوطنية العليا التي تمر في اختبارات صعبة وتواجه في المستقبل تحديات جسيمة.

قدم الملك عبدالله الثاني في العقدين الماضيين من حكمه، نموذجا مذهلا في القدرة على التقاط اللحظة التاريخية المناسبة وإدارة التحديات الداخلية والخارجية على نحو يخدم المصلحة الوطنية العليا، ومفاجأة الجميع بخطوات حاسمة لتحويل المسار وضمان النتائج. لكن النخب السياسية نادرا ما استجابت بالقدر المطلوب، واظهرت في محطات عديدة سلوكا غريبا يدفع للاستدارة للخلف عوضا عن مجاراة التغيير والتقدم للأمام.

الثقافة السائدة في العمل العام، والقيم المستقرة، تعيق التقدم بشكل ملحوظ، ولا يمكن التغلب على هذه العقبات في ليلة وضحاها، لكن الخطوات المدروسة والممنهجة يمكن أن تساعد كثيرا في تسريع عملية التغيير المطلوبة على صعيد النخب السائدة. يكفينا فقط توفر الإرادة، والتفاني في خدمة المصلحة العامة، والاستعداد لمواجهة الوضع القائم بخطاب متماسك ومسنود بالإرادة الشعبية.

إن عملية الاصلاح، خاصة في شقه السياسي، غير ممكنة بالوصفات التقليدية الرائجة. الحياة الحزبية والبرلمانية في الأردن غير مؤهلة لصنع الفارق في الوقت المطلوب، ولذلك ينبغي العمل على تطوير آلية مختلفة، واعتماد طرق بديلة لتحقيق الأهداف المطلوبة، دون الإخلال بالثوابت.

الغد

 

زر الذهاب إلى الأعلى