البروفيسور ماهر سليم يطمح ل” التدويل الجامعي”.. ويبشّر: “عمان العربية” تتجه لطرح تخصصات مُعاصِرة
كرم الإخبارية – حاورته: بثينه السراحين
علل رئيس جامعة عمان العربية البروفيسور ماهر سليم توجه الجامعة للتركيز على “التعليم التقني” بكونه الآلية الأنسب لخدمة المجتمعات ومحاكاة متطلبات النهوض بها والإرتقاء بكافة مجالاتها الحيوية من صناعات وتجارة وما إليها. مفسراً بذلك إشتراط الجامعة لأن تكون كافة طروحات رسائل الماجستير المُعدة في أروقتها “ذات صبغة تطبيقية” ومتصلة بالإحتياجات الفعلية للمجتمع.
وشدد البروفيسور “سليم” على ضرورة “تقنين” الطاقة الإستيعابية الطلابية للجامعات الرسمية، لتقليص التبعات السلبية لذلك على التعليم الأهلي ممن يعاني شح أعداد الطلبة، محذراً من أن هذا “الخلل” يؤثر لجهة تدني مخرجات التعليم الجامعي الرسمي والأهلي على حد سواء. وذلك في الوقت الذي فاخر بأنّ الأردن لا يزال” متصدراً” في “القيمة النوعية” لخريجيه ممن شغلوا مواقع هامة في دول متقدمة. في حين لم يغفل عن المطالبة بإتخاذ المزيد من القرارات الجريئة وتطوير الأطر القانونية الناظمة للتعليم الجامعي، وصولاً لمرحلة تبني مبدأ “التدويل الجامعي”.
.. وتالياً تفاصيل الحوار الشامل الذي أجرته وكالة كرم الإخبارية مع البرفيسور ماهر سليم:
*منجزات وإصلاحات كثيرة حققتها منذ تقلدك لرئاسة جامعة عمان العربية عام 2017م.. ماذا عن تفاصيلها؟
قمت بإعادة هيكلة الجامعة بما يتناسب مع مقدّراتها البشرية والمادية، وتم إتخاذ عدة قرارات تنظيمية تحدد المسؤوليات لكافة الأطراف في الجامعة، وبدأنا مشوار السيطرة النوعية والجودة في كافة الأطر الأكاديمية والإدارية والمالية. وكما وقعنا عدة إتفاقيات مع جامعات عالمية مرموقة؛ بهدف تبادل البحث العلمي وأعضاء هيئة التدريس والطلبة، فأرسلنا مجموعة من طلبتنا إلى دول أجنبية مثل بريطانيا واليابان وغيرها للمعايشة والتعرف على الحضارات والثقافات المختلفة. وذلك في الوقت الذي عملنا على نشر ثقافة الإعتدال والوسطية في الجامعة.
وفي خضم ذلك استحدثنا تخصصات جديدة تتواءم وإحتياجات السوق؛ فنحن الجامعة الوحيدة التي تتميز بكلية طيران تطرح تخصص صيانة الطائرات. كما حصلنا على موافقة التعليم العالي لإستحداث هندسة الطاقة المتجددة، وبرنامج إعداد القادة، وبرامج أخرى تتماشى مع التطورات وإحتياجات المجتمع، في حين استحدثنا كلية شريعة انبثقت عن كلية الحقوق برسالة واضحة هو نشر فكر الإعتدال والوسطية إستناداً إلى رسالة عمان التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله في المؤتمر الذي عقد في الأردن لحاجة مجتمعاتنا إلى مثل هذا الفكر المعتدل في ظل ظهور بعض الأفكار الضلالية والمتعصبة.
*إنخراطك في النهضة التعليمية الجامعية محلياً وإقليمياً عبر تقلدك سابقاً لمناصب أكاديمية هامة .. كيف أفادت منه الجامعة لجهة تغذية مصادر تمويلها العلمي؟
لدينا فكر في كيفية إحداث نهضة الجامعة، ونهضة الفكر تحتاج إلى الإهتمام بالعملية التعليمية بكل جوانبها من خلال إختيار أعضاء هيئة تدريس متميزين وبرامج تدريبية متطورة لصقل المهارات، بالإضافة للإهتمام بالنشر العلمي النوعي، والنشر في المجلات المرموقة. ما يتطلب من الجامعة تنظيم علاقاتها بشكل علمي ومدروس مع الجامعات الأخرى في الداخل والخارج للإفادة من خبرات الآخرين، وهذا بمجمله أدى لأن تكون الجامعة واضحة المعالم والأهداف وصولاً لتأدية دورها بشكل علمي ودقيق.
*تسعون لتكريس مفهوم التعليم التقني في الجامعة عبر طرح تخصصات جديدة تخدم هذا الإتجاه، فإلى أين وصلتم في ذلك؟
التعليم التطبيقي هو الحل لمشاكل المجتمعات عامة والسبيل للنهوض بقطاعاتها الصناعية والتجارية. والأمر كذلك؛ فإن إدارة التعليم العالي في الأردن سنّت الكثير من التشريعات التي تشجع وتدعم التعليم التطبيقي، ونحن في الجامعات بدأنا منذ فترة بتبني التخصصات التطبيقية المطلوبة لسوق العمل ووضعنا برامج تدريب ومعايشة من شأنها صقل طالبنا وتزويده بالمهارات اللازمة للإنخراط في سوق العمل.
ولكننا بحاجة في هذا الصدد إلى مزيد من التشريعات الناظمة لسوق العمل المهني والتقني، وإيجاد جهة مانحة لشهادات ممارسة العمل التقني والحيلولة دون إنخراط أي شخص غير مرخّص بالعمل به، لضمان جودة هذه المهن والإرتقاء بمستوياتها بما يحفز شبابنا للتوجه لمثل هذا التعليم الذي التفتت إليه وتبنته دول متطورة مثل ألمانيا وكندا وسنغافوره.
*للبحث العلمي أهمية كبيرة في سياستكم، بدليل تأكيدكم أن الجامعة لن تقبل أية رسائل منقوصة وبلا “قيمة علمية”، فهل لك أن توضح لنا بشكل أكثر دقة المقصود بالقيمة العلمية؟
البحث العلمي يحتل ركناً أساسياً في أهداف الجامعات وأعمالها، ونحن في الجامعات سننا الكثير من التشريعات والقرارات التي تشجع الباحث على البحث العلمي الأصيل، وأوجدنا مكافآت له وللنشر في المجلات العلمية المرموقة، وأصدرنا قراراً يشترط أن تكون موضوعات الرسائل المطروحة لدرجة الماجستير في جامعتنا متصلة بمشاكل وإحتياجات المجتمع، وبأن تكون ذات صبغة تطبيقية، ذلك أنّ جامعتنا جزء من المجتمع الذي تضطلع بدورها في خدمته وتطويره.
*نعايش متغيرات سياسية وإقتصادية ومجتمعية حالكة وسريعة التقلبات تؤثر في الإستقرار النفسي للطالب ولربما تفقده التوق للنجاح وحماسة البناء لمستقبل يراهُ ضبابياً..ما رسالتكم لهذا الجيل الذي يواجه تحديات متعاظمة؟
الواقع الحالي والمستقبل يحويان تحديات كثيرة لخريجينا، منها ما يتصل بالأوضاع السياسية المضطربة في العالم برمته، وبالوضع الإقتصادي المتردي، والتنافس الكبير بين خريجي الجامعات. ولذا نصيحتي لكل طالب بأن يختار التخصص الذي يرغب به، وثانياً أن يُحبّ تخصصه ويكرس كل وقته من أجل نهل المعلومة وإكتساب المهارات اللازمة لسوق العمل، وذلك من خلال المشاركة في نشاطات الجامعة والإنخراط في المسؤولية الإجتماعية وتبني فكر العمل التطوعي الذي يُكسب خريج الجامعة ميزة عن بقية الخريجين. وعلى طالبنا أن لا يقع في شباك اليأس وأن يكون لديه روح التحدي لأنّ المستقبل للأقوياء في نهاية المطاف.
*المأزق المالي للأسرة الأردنية تحدٍ تعايشه الجامعات المحلية.. كيف توازن إدارة جامعتكم ما بين ضرورات الحفاظ على متانتها المالية ودورها الأصيل كحاضنة لطلبة العلم من كافة الشرائح والطبقات المجتمعية؟
نحن نعيش في عصر من معالمه وجود أزمة مالية وإقتصادية في الأسرة الأردنية نتيجة الغلاء وشح الموارد في البلد ومنافسة الدول الأخرى على كثير من الأمور، وهذا خلق واقعاً صعباً، ونحن في الجامعة نعي هذا الشيء ونقدره، ولذا حددنا الرسوم الجامعية بما يتناسب وقدرات الأسر متوسطة الدخل، في حين وضعنا برنامجاً للمنح الكلية والجزئية للطالب الفقير والمجتهد لكي ننهي معاناته ونوفر له فرصة التعلم أسوة بغيره من الطلبة.
*عبر دائرة العلاقات العامة والإعلام خاصّتكم تجتهدون في إدارة حلقات عصف ذهني بحضور نخبوي للرموز الوطنية.. إلى أي حد تُثري هذه الفعاليات وعي طلبتكم وتصقل هويتهم الوطنية؟
النشاطات مهمة جداً لأنها تقوم بعملية توعوية وتثقيف للطلبة وأعضاء هيئة التدريس والإدارة، وهذا هام جداً لكي يتعرف الطالب على مجتمعنا وقياداته، والوقوف على التحديات التي تواجهنا، ما يمنح الطالب آفاقاً شاسعة للمعرفة والإطلاع، وبالتالي يمكّنه من الإنخراط في عملية النهضة والتطوير في المجتمع. وهذا كله نوفره للطلبة بهدف التفاعل وإيجاد حلول وبدائل، ولذلك نحن نؤكد دوماً على أهمية هذه النشاطات التي تحتاج إلى مزيد من التكثيف لكونها تصب في مصلحة الطالب والجامعة والمجتمع.
*نواجه هذه الأيام تحدٍ يتعلق بفيروس “كورونا” فهل أعدت جامعتكم بدائل لإستمرار العملية التعليمية عبر “التعليم الإلكتروني” في حال اضطركم هذا الوباء – لا قدر الله – لهذا الخيار مستقبلاً؟
تنبهنا في جامعتنا منذ البداية إلى قضية الأوبئة بشكل عام، وشكلنا لجنة لإدارة المخاطر يرأسها رئيس الجامعة. في حين يتوجب على أعضاء هيئة التدريس التعامل مع المستجدات الطارئة حال وقوعها- لا سمح الله، وهذه اللجنة ليست مختصة بمواجهة الأمراض والأوبئة فقط بل بكل الكوارث الطبيعية كالثلوج والزلازل وما إليها.
وبالنسبة لفيروس “كورونا” فقد جهزنا كافة الإجراءات المناسبة من أجل تجنب هذه المشكلة ومقارمتها، ونشرنا معلومات توعوية بين الطلبة والمدرسين من خلال التعاون مع شركات مختصة. ووفرنا مواد تعقيم في كافة مرافق الجامعة. وأعتقد أن الجامعة إجمالاً تقوم بدورها على أكمل وجه في هذا المجال.
*جامعتكم – ومع إجتيازها لعامها العشرين – باتت تحظى بثقة علمية دولية وتتحصن بأوسمة التفوق الأكاديمي في ميادين أممية شتى..كيف ستبنون على هذه المنجزات لتحقيق المزيد من التوسع في خطتكم المستقبلية؟
سنواصل العمل الدؤوب من أجل الحفاظ على سمعة الجامعة وتطويرها من خلال تنفيذ الخطة الإستراتيجية للجامعة، وتبني التخصصات الرائدة في سوق العمل المحلي والخارجي، وطرح تخصصات معاصرة مطلوبة في سوق العمل مثل الذكاء الإصطناعي، وتخصص البيانات الكبيرة، وتخصص تحليل البيانات، وتخصص الأمن السيبراني.
*بالإنتقال للمعضلة الأهمّ التي تواجه الجامعات الأهلية في عمومها.. ما طروحاتكم لجهة مواجهة مأزق شحّ الطلبة لديكم؟
الجامعات الخاصة تعاني من قلة أعداد الطلبة لأنّ الجامعات الحكومية تستوعب معظم خريجي التوجيهي، وهذا يجعل الجامعات الرسمية مُتخمة بالطلبة وبما سيؤدي إلى تدني مستوى مخرجاتها. في حين يتسبب شح أعداد الطلبة بإشتداد المنافسة بين الجامعات الخاصة وبما يؤدي إلى تدني مستوى مخرجاتها أيضاً. ولذلك أطالب بخلق حالة من التوازن، بحيث تكتفي الجامعات الرسمية بطاقتها الإستيعابية من الطلبة ولتفسح المجال بذلك للجامعات الخاصة لإستقطاب طلبة متميزين وبما يمكنها من تولي دورها في خدمة المجتمع على أكمل وجه.
*جرى الحديث مؤخراً عن قرار رسمي بمنع تجديد عقود المدرسين الجامعيين الوافدين .. ما الضرر الذي سيلحقه بكم هذا القرار خاصة وأن التعليم ذو صبغة أممية ولا حدود جغرافية له؟
بالرغم من قناعاتي بأهمية أن يكون عضو التدريس الأردني له كل الحقوق في الفرص والتعيين؛ إلا أننا بحاجة إلى التنوع، ولذلك يجب أن يكون هناك نسبة محددة من جنسيات أخرى لتكريس التنوع وللإفادة من الخبرات العلمية والإبداعية لهم. وهذا يتماشى مع متطلبات الجودة والإعتمادية العالمية والتصنيف، والتي يعتبر أبرز محاورها وجود تعدد في الجامعات كي نضمن أن لا تكون الجامعة محصورة في حيز ضيق بل يتوسع إلى فضاء الجامعات الأخرى.
*تحدثت في تصريحات سابقة عن تحديات حقيقية تواجه سمعة التعليم العالي في الأردن، وأنها تتعرض لهجوم ممنهج، ما طبيعة هذا الهجوم؟ وكيف يمكن التصدي له بطريقة عملية ومدروسة؟
التعليم في الأردن له سمعة طيبة تاريخياً، والأردن في مجال التعليم العالي خطى خطوات كبيرة تميز بها عن كثير من الدول العربية، ونافس الدول المتقدمة منها في هذا المجال. وكان لنا في التعليم العالي نجاح كبير في إنشاء جامعات رسمية، وكنا من الأوائل في إنشاء التعليم الخاص، وتميزنا به في بداية التسعينيات، وأصبح عندنا إقبال من الدول العربية، وأستقطبنا خيرة المدرسين العرب، في حين نجحنا بإعادة الكثير من العقول المُهاجرة للإنخراط في خدمة التعليم بالوطن.
وفي السنوات الأخيرة لاحظنا أن الكثير من الدول العربية بدأت تحذو حذو التعليم العالي في الأردن، وبعضها تحاول تشويه سمعة التعليم العالي في الأردن، وتتخذ قرارات من شأنها الإساءة لسمعة التعليم في الأردن. ولكنني أؤكد أن التعليم لدينا لا يزال بخير، والأردن يعتبر متصدّراً وفي قائمة الأوائل مقارنة بالآخرين، وذلك بدليل أنّ مخرجات التعليم العالي لدينا فائقة الجودة، وخريجو جامعاتنا يستطيعون الحصول على وظائف في كافة الدول المتقدمة مثل أمريكا وكندا وأستراليا وغيرها، وكثير منهم يعملون في مواقع متقدمة في هذه الدول، ولذلك أنا غير قلق على مستوى التعليم لدينا، ولكننا بحاجة إلى سنّ تشريعات وإصدار قرارات جريئة من أجل إعطاء التعليم العالي الإستقلالية الأكاديمية الكاملة وتبني مبدأ (التدويل الجامعي) من خلال عقد شراكات فعلية مع جامعات مرموقة حتى نستطيع مواجهة استحقاقات المستقبل وتلبية إحتياجات سوق العمل الحديث.