“الأطفال العاملون لمصلحة ذويهم” مشكلة قديمة فاقمها “كورونا”
“بتمنى التعليم يظل عن بعد حتى أظل أشتغل مع والدي، صحيح ما باخذ أجر بس ممكن باليوم الواحد أطلع 3-5 دنانير بقشيش”.. هذه كانت كلمات عبدالعزيز (اسم مستعار) خلال وصفه تجربة العمل دون أجر لمصلحة والده.
يبلغ عبد العزيز من العمر 15 عاما، ويمتلك والده محلا صغيرا لبيع المشروبات الساخنة للمحلات التجارية والمارة في الشارع من مشاة وسيارات، وكان عبدالعزيز يعاون والده خلال العطل المدرسية في المحل وفي توصيل المشروبات لطالبيها من المحلات المجاورة، لكن مع تحول التعليم ليصبح عن بعد منذ صيف 2020 بات يعمل عبدالعزيز مع والده بانتظام.
لكن عبدالعزيز لم ينقطع عن تعليمه، بل سجل في منصة “درسك”، ويحضر الحصص عبر هاتفه بشكل شبه يومي أثناء تواجده في العمل. العودة للمدرسة تعني حتما التوقف عن الذهاب الى محل أبيه.
يقول عبدالعزيز “اذا خيرت بين المدرسة والشغل، رح أختار الشغل طبعا، لشو المدرسة إذا بقدر أجيب مصاري”، وبالنسبة لوالده يقول إن عمل ابنه معه خفف الكثير عن كاهله منها توفير أجر عامل، خصوصا أن العائلة لم تحقق أي دخل طيلة فترة الحظر الشامل، إضافة الى تأثر الدخل بالإغلاقات الليلية وخلال أيام الجمع.
ويؤكد الأب رغبته في عودة ابنه للانتظام في المدرسة مستقبلا، لكنه يشير الى أن ابنه “بات متحمسا أكثر للالتحاق بسوق العمل”، فرغم أن ابنه لا يحظى بأجر، لكنه في المقابل “يحقق نسبة لا بأس بها من البقشيش تكفيه لشراء احتياجاته وما يرغب به”.
حالة عبدالعزيز ليست استثنائية وإنما مشكلة لدى العديد من الأطفال العاملين بغير أجر لمصلحة ذويهم لم تقدم لهم التشريعات المحلية أي معالجة. فوفقا للتقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في الأردن الذي صدر مؤخرا، فإن قانون العمل “لم يوفر حماية للأطفال العاملين من دون أجر مع آبائهم، لعدم انطباق تعريف العامل عليهم، ما يبرر وجود عمل الأطفال ويعفي آباءهم كأصحاب عمل من العقوبات الواردة في القانون”.
التقرير طالب بتوفير الحماية القانونية للأطفال العاملين لذويهم بتعديل تعريف الطفل العامل من جهة وبضرورة الإسراع بإقرار قانون حقوق الطفل وبما يوفر الحماية له خاصة في مثل هذه الحالات.
وتبين مديرة إدارة الحقوق المدنية والسياسية في المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني “رغم توسع الحماية الدستورية للأطفال العام 2011 بنص المادة 6 والتي نصت على أن القانون “يحمي الطفولة” وكذلك المادة 23 التي نصت على “تعيين شروط خاصة لعمل الأحداث”، لكن رغم توسيع هذه المظلة إلا أنه “لم يرافقها تطوير لمتطلبات الحماية التشريعية للأطفال؛ إذ ما تزال المنظومة التشريعية قاصرة عن الإحاطة بكل جوانب الاستغلال التي قد يتعرض لها الطفل”.
وقالت “إن هذا القصور بالمنظومة ظهر بشكل أكبر خلال جائحة كورونا؛ إذ لاحظنا خلال هذه الفترة بروز حالة التحاق الأطفال بالعمل لمصلحة ذويهم، وهو الأمر الذي كشف قصورا تشريعيا في المنظومة الوطنية في مسألة عمل الأطفال مع آبائهم، فقانون العمل لا يتعامل مع هذا الجانب”.
وتضيف “القاعدة العامة حظر عمل الأطفال، لكن هناك التفافا على هذه القاعدة نتيجة قصور القانون فيما يخص الأطفال العاملين مع ذويهم”، مشيرة الى أن القصور “ليس فقط في قانون وزارة العمل وإنما أيضا بقانون وزارة التربية والتعليم فيما يخص التسرب المدرسي”.
وتوضح “رغم أن القانون ينص على إلزامية التعليم الأساسي، لكنه يخلو من الآليات التي تتعامل مع الأهالي المتخلفين عن إلزامية التعليم لأبنائهم، ما يجعله وكأنه قانون غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع”.
وتشير المومني الى أن التشريع الوحيد الذي يتناول مسألة التسرب من المدرسة هي تعليمات صندوق المعونة الوطنية التي تعتبر “إرسال الأبناء الى المدرسة وعدم التسرب أحد شروط حصول الأسر على المعونة، كما يخصم 25 % من قيمة المعونة لكل فرد في الأسرة في حال كان هناك تسرب لأحد الأبناء”.
لكن المومني تشير الى أنه “بين هذه الثغرات والضعف في التشريعات والانعكاسات على الواقعين الاجتماعي والاقتصادي للأسر، نرى أطفالا أصبحوا مصدر دخل لأسرهم، وربما لن يرغب ذووهم أو هم أنفسهم في العودة الى المدرسة”.
وإلى جانب التشريعات الوطنية، تشير المومني الى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي تنص في المادة 19 منها على ضمان توفير التدابير لضمان حماية الطفل من أشكال الإساءة والاستغلال كافة من خلال توفير تدابير الوقاية والحماية وكذلك المادة 32 والمتعلقة بحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، خصوصا التي تمثل إعاقة لتعليم الطفل وتنص على فرض عقوبات وجزاءات على ذلك.
وشددت على أهمية تطوير التشريعات والسياسات والممارسات ووجود مؤسسات فاعلة تضمن مراقبة عدم استغلال الأطفال حتى من ذويهم أو آبائهم، لافتة الى أن الاستغلال الذي يتعرض له الأطفال من قبل ذويهم غالبا ما يكون أعمق وصعب معرفته.
وأكدت ضرورة إقرار قانون حقوق طفل بالتزامن مع تعديل تشريعات أكبر لتوفير الحماية لجميع الأطفال العاملين بمن فيهم العاملون لمصلحة ذويهم.
ومن جانبها، تقول المديرة التنفيذية لجمعية تمكين للمساندة وحقوق الإنسان، لندا كلش “إن مسألة الأطفال العاملين لذويهم هي قضية موجودة سابقا، لكنها ارتفعت بشكل ملحوظ خلال فترة جائحة كورونا نتيجة إغلاق المدارس والضرر الاقتصادي لدى الأسر نتيجة الاغلاقات والحظر الشامل”.
وتلفت الى أننا “لاحظنا انخراطا للأطفال في العمل بكثير من المنشآت المملوكة من قبل ذويهم، منها منشآت وأعمال خطرة”.
وتضيف “تزايد عمل الأطفال بهذه الفترة مرده أن أجر الطفل غالبا أقل بكثير من أجر البالغ. في حالات الأطفال العاملين لدى ذويهم فإنهم غالبا ما يعملون دون أي أجر مادي”. وتوضح “من خلال الجولات والعمل الميداني، لمسنا رغبة لدى نسبة كبيرة من أولياء الأمور والأطفال أنفسهم بعدم العودة الى المدرسة، فالطفل يحقق دخلا يسهم في الإنفاق على الأسرة، كما أن بعض الأطفال العاملين يشعر بالرضا لتمكنه من تحقيق دخل خاص به”، مرجحة “ارتفاع نسب التسرب المدرسي بعد فتح المدارس”. وبحسب المسح الوطني لعمل الأطفال الذي أجري في العام 2016، يبلغ عدد الأطفال العاملين في الأردن في الفئة العمرية 5-17 عاما نحو 76 ألف طفل، من بينهم 69661 تنطبق عليهم صفة عمل الأطفال المحظور قانونا، فيما يعمل 44917 أعمالا خطرة، بحسب نتائج المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن لعام.
نادين النمري – الغد