الآلة الحاسبة تُهدد العقول: طلابنا يفقدون مهارات الحساب الذهني

بقلم: وسام نصر الله

تابعت بدهشة أحد أساتذة مادة الرياضيات المتقدم لطلبة الثانوية العامة على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، وهو يقدم دروسًا للطلاب بطريقة مبسطة ومباشرة.

ولا شك أن هذه المبادرات التعليمية عبر الفضاء الرقمي خطوة إيجابية ومهمة، غير أن ما استوقفني حقًا هو اعتماده الكلي على الآلة الحاسبة في كل العمليات الحسابية، حتى البسيطة منها.

أتساءل هنا: كيف يمكن لطالب “التوجيهي”، الذي يُفترض أن يكون متمرسًا في مادة الرياضيات، أن يبني مهاراته إذا اعتاد منذ البداية على آلة تنوب عنه في أبسط العمليات؟ أليس الهدف من الرياضيات أن تُنمّي ملكات العقل، وتثير التفكير النقدي، وتدرّب الطالب على التحليل والإبداع؟

إن الاعتماد المفرط على الآلة الحاسبة يُعطّل ما هو أهم من النتيجة النهائية، وهو عملية التفكير نفسها. فالعمليات الأولية كالطرح والجمع والضرب والقسمة ليست تفاصيل زائدة عن الحاجة، بل هي أساس كل بناء رياضي متقدم. وإذا لم يُتقنها الطالب بسرعة وبإتقان، فكيف له أن يتعامل مع مسائل أعقد في التفاضل أو الإحصاء أو الفيزياء؟

الآلة الحاسبة أداة مساعدة ولا شك، لكن حين تتحول من وسيلة لتيسير التعقيد إلى عكاز دائم في كل خطوة، فإنها تُضعف مرونة العقل الرياضي وتُحول الطالب إلى مستهلك للأزرار بدلاً من أن يكون صاحب عقل مُبدع. والرياضيات ليست أرقامًا جامدة، بل أداة لتدريب الذهن على مواجهة المشكلات بطرق متعددة.

لهذا أجد أن تيسير الأمور للطلاب عبر الآلة الحاسبة ليس خدمة لهم، بقدر ما هو إضعاف لعقولهم.

المطلوب أن ندرّب أبناءنا على الحساب الذهني، على الصبر مع الأرقام، على التفكير قبل الضغط على زر، فذلك ما سيجعلهم أكثر ثقة وأكثر قدرة على الإبداع العلمي.

زر الذهاب إلى الأعلى