أوقفته دورية أمن فاكتشف أنه متوفٍ

أراد ان يدفنه حيا واستخرج له شهادة وفاة، لكن الظروف اعادت الشاب الى سجلات الاحياء رغم الجرح العميق الذي أصابه جراء محاولة اغتياله على الورق، من قبل والده الذي فقد كل مشاعر الانسانية.

علي “اسم مستعار”، شاب اراد والده التخلص منه عندما كان رضيعا، بأبشع الطرق، بدأها بإيداع فلذة كبده بإحدى مؤسسات رعاية اطفال، ولم يقف عند هذا الحد، فقرر الأب التخلص نهائيا منه باستصدار شهادة وفاة له، عبر التخطيط لسيناريو شبيه بمشاهد مسلسلات الاكشن على التلفاز.

“إغتيال علي على الورق” بدأت خيوطها تتكشف كما روتها المحامية إلهام أبو لبدة من مركز العدل للمساعدة القانونية، انه في إحدى ليالي عام 2018 عندما كان يتجول «علي» البالغ من العمر وقتها 17 عاما، في شوارع عمان كعادة أقرانه بقضاء أوقات الفراغ، أستوقفته دورية شرطة وطلبت منه إثبات شخصية، فأخرج لهم هوية أستصدرت له من دار الرعاية التي يقيم عليها مثبت عليها رقمه الوطني، فهو مقيم هناك لأسباب تتعلق بالتفكك الأسري.

أفراد الدورية وبعد تدقيق الاسم تبين لهم ان صاحب الاسم والرقم الوطني مسجل «متوفى»، ما أثار استغرابهم وعند مواجهة الشاب بالأمر اصيب بصدمة نفسية عميقة، ولانه لا يوجد عليه أي قيد، تركته دورية الشرطة ليذهب بحال سبيله، لكن طلبوا منه مراجعة الجهات المختصة لتبيان الأمر.

عاد علي  إلى دار الرعاية التي يقيم بها ومشاعر الحزن والصدمة تملكه، فهو شخص متوفى بالأوراق الرسمية، وبالواقع هو حي يرزق، فزاد خوفه على مصيره المجهول إلى جانب الأذى النفسي الذي يمر به، خصوصا وأنه قارب على عمر 18 عاما حيث يصبح في عمره مسؤولا قانونيا عن كل أموره، وقد يغادر الدار ليقيم بنفسه، فكيف سيتدبر أموره المعيشية والدراسية وهو «إنسان ميت» في نظر القانون؟.

وتسرد المحامية أبو لبدة خيوطا تكشف قصة «علي، وكيف استرد قيده المدني وعاد إلى قيد الحياة على الورق وأمام القانون كما الواقع، حيث قالت إن «علي» توجه إلى المرشدة والباحثة التي ترعى أمور المقيمين في الدار وسرد لها تفاصيل ما جرى معه.

ونقلت المحامية أبو لبدة عن الباحثة -فضلت عدم ذكر اسمها- قولها «إنها أقسمت لعلي أنها ستساعده وتفك لغز قضيته التي حيرتها واثارت تعاطفها معه»، لكن علي قال لها»، «كيف ستتمكنين من مساعدتي»، فقد بدا عليه فقدان الأمل بالوصول إلى حل لقضيته، إلا أن الباحثة عقدت العزم على حل القضية ومساعدة «علي» كي يتمكن من المضي بحياته بصورة طبيعية قانونيا وواقعيا.

ونظرا لوجود تنسيق بين مركز العدل للمساعدة القانونية ودار الرعاية، توجهت الباحثة إلى المركز وعرضت قصة علي  عليهم، تنشد المساعدة، وبالفعل تم تولي قضيته من قبل المحامين هناك بحسب ما قالت المحامية أبو لبدة، التي شددت على أهمية دور المساعدة القانونية المجانية في إنصاف الفئات الفقيرة والمهمشة والأكثر عرضة للانتهاك، فلولا هذه الخدمات لواجه «علي» وغيره من الحالات صعوبة مالية وقانونية بتصويب أوضاعه.

المحامية أبو لبدة سردت الوقائع بتسلسل، لافتة إلى أنه طوال مكوث علي بدار الرعاية حاولت الدار التواصل مع الاب والطلب منه زيارة طفله، لكنه لم يستجب لهم إطلاقا.

وبدأت الوقائع وفق المحامية أبو لبدة عام 1999 عندما تزوج والدا «علي»، وأنجباه في تاريخ 27 كانون ثاني من عام 2001 حيث وقع الطلاق بين الزوجين بعد ولادة الطفل بفترة وجيزة.

وفي عام 2003 قرر الأب وضع طفله في دار للأيتام، حيث تم تسليمه للدار، بحجة عدم وجود من يستطع العناية بالطفل، بحسب ما قالت المحامية أبو لبدة، مضيفة أن دار الأيتام حولت الطفل في عام 2005 إلى مؤسسة لرعاية الأطفال.

لكن الأب الذي تخلى عن مشاعره الإنسانية، لم يكتف بالتخلي عن طفله، بل رسم «سيناريو درامي» لعملية التخلص من فلذة كبده وانطلت حيلته على الجميع وذلك في عام 2006.

وتقول المحامية أبو لبدة إن الوالد ادعى أن حريقا شب في بيت الشعر التي يقطنه مع طفله والنيران أكلت البيت ومعها طفله، وعبر شهود وتحصله على “مضبطة عشائرية” تفيد بذلك استصدر شهادة وفاة لطفله.

وبقيت الواقعة دون أن يعرف بها أحد، فقد كان يمارس علي حياته اليومية دون أن يدرك انه «ميت على الورق»، إلى أن انكشف ذلك من خلال دورية الشرطة في عام 2018 أي بعد بلوغه سن 17 عاما.

ملف علي تولى متابعته المحامي أكرم الشويخ الذي لا يزال يحيره السبب الذي دفع الأب بالقيام بفعلته، حيث يقول إنه كان ينوي رفع دعوى تزوير ضد الأب حتى يعرف عن سبب فعلته العجيبة.

وبين المحامي شويخ أنه نظرا لأن «علي» تحت السن القانونية التي لا تمكنه توكيل محام، تم الاستعانة «بالباحثة»، «كوصي مؤقت» لغايات «الخصومة وتوقيع دعوى استصدار الوثائق»، حيث قامت الباحثة بإجراءات دراسة أوراقه وكافة المعلومات التي تتعلق بملفه.

وقال إنه رفع قضية خصومة على مدير الأحوال المدنية في المحافظة التي يقطن بها الأب، وعلى المدعي العام المدني، يطلب بها إلغاء الوفاة وتثبيت القيد المدني «تثبيت الولادة» لعلي.

وبين المحامي الشويخ أنه بالتدقيق بالملف وجد أنه في عام 2009 وجهت مكافحة الفساد كتبا بخصوص وضعه وضرورة تصويب الحالة، لكن لم يتم متابعتها إلى حين أن تم اكتشاف الحالة من قبل «علي» عبر دورية الشرطة، واللجوء إلى مركز العدل وطلب مساعدة قانونية.

«علي» بعد أن عاد حيا على الأوراق وأمام القانون، وتمكن من استخراج هوية أحوال مدنية، يفكر بمقاضاة والده ويرغب بتوجيه سؤال له «لماذا فعلت بي هذا».الرأي

زر الذهاب إلى الأعلى