نتمنى أن يكون بيننا ألف شجاع مثل حسين مجلي
قُبيل رحيله بأسبوع، فاجأ أستاذنا حسين مجلي العائلة بطلب “رداء نوم/ بيجامة”، وأخذ كتاباً، وقال لهم سأنام الليلة في بيتنا القديم في “دير عجلون”، ولمّا سألته رفيقته عمره أم شجاع أخذ القليل من الزاد معه، أشار إلى الكتاب، وقال: هذا زادي، ويكفيني.
في ذلك المكان المعتّق بالحجر، الذي يزيد عمره على مئتي سنة، كان وُلد أبو شجاع، ولعلّ هاتفاً في داخله أراد له ألاّ يرحل عن الدنيا دون وداعه، وحين عاد في اليوم التالي كان أنهى الكتاب، وشحن طاقته الروحية بالمكان الآسر، وبصفاء الفكر الذي كان يميّز حياته.
اليوم، كُنت في ذلك المكان الحميم، بمعية زوجته الفاضلة وابنه العزيز وميض، وشقيقه عبد المجيد، وكانت بالضرورة روح الغالي تحوم حولنا، فتجوّلت بين الكُتب، وتنقّلت في أرجاء البيت، واستوقفتني لوحة خزفية شاميّة نُقش عليها: بالبِرّ يُستعبد الحُر.
أبو شجاع لم يكن في يوم سوى حُرّ لا تقوى عليه المناصب ولا الانتماءات الضيّقة، وكان ضميره يحكم حياته مهما كان ومهما يكن، فحين انفصل حزب البعث بسوريا عن الجمهورية العربية المتحدة ترك الحزب، وحين اعتصم أهل وأصدقاء الدقامسة مطالبين بالافراج عنه، أمام وزارة العدل، وهو الوزير، نزل من مكتبه وانضمّ إلى المعتصمين.
أبو شجاع كان شجاعاً مع الحقّ، وشجاعاً ضدّ الباطل، ولم يتوان عن الاستقالة من الوزارة بعد أشهر قليلة من وجوده فيها، وأعلن أنّه لا يلمس جديّة في الاصلاح، وهذا ليس تلخيصاً لحياة رجل أردني كبير، بقدر ما هو تذكير للموجودين بأنّ الناس لا تتذكر سوى كبارها، وتنسى صغارها ولو ظنّوا أنّهم كبار، ويبقى أنّنا نتمنى أن يكون بيننا الآن ألف أبي شجاع، وللحديث بقية.