مع الرسالة 27 لقمر عبد الرحمن
همسات: زياد جيوسي
لعله من المصادفة المحضة أن تكتب قمر عبر الرحمن رسالتها رقم 27 وتنشرها يوم 4/10/2023 تحت عنوان “رسالة حائرة” تتساءل فيها: “من أيّ طينةٍ جُبِل الشّباب الفلسطينيّ؟” فحياتهم في ظل الاحتلال: “إمّا نضالٌ وإمّا قتال!”، فهذا السؤال الذي يحيرها تقول عنه: “سؤالٌ يصيبني بالدّوار، سؤالٌ صامتٌ ينظر إليّ باستمرار! “، والمصادفة أن تكتب وتنشر وتتساءل قبل معركة “طوفان الأقصى” وقبل الهجوم الوحشي على غزة وسقوط الاف الشهداء والجرحى، فكيف ستكون رسالة قمر الحائرة لو انتظرت بضع أيام وشاهدت الطوفان الذي زلزل الاحتلال وأخرجه إلى وحشية القتل والتدمير؟ فهذا هو شعبنا الذي تعرض للمذابح عبر التاريخ ومذبحة القدس والأقصى على يد الصليبيين لا تنسى.
فهؤلاء الشباب “يثيرون في قلبك شهيّة الحياة والموت معًا”، فهم لا يهابون الموت ولا يخافون من بنادق الاحتلال ولا من حرابهم فهم “يتشاركون الهيبة والمهابة، يتلاحقون في التّشييع، متماسكون حتّى في الجنائز” وهم رغم أنهم من مناطق متعددة في الوطن ولا يعرفون بعضهم البعض ولا يجمعهم فصيل محدد الا أنهم “يتشابهون في قلوبهم ومراميهم كما يتشابه الياسمين”، لا يهمهم الدعم من اية جهة فيقدمون ارواحهم فهم “لا يهمّهم مَن معهم، المهم أنّ الهمّ ما زال يجمعهم” وهل هناك من هم كما هم الوطن يحملونه على أكتافهم وفي أرواحهم؟
وتواصل قمر وصفهم في لوحات نصها الشعرية فهم باقون كما “صوت فيروز في الذّاكرة”، وهم مبتسمون والبشاشة لا تفارقهم حتى تبلغ “ما تبلغه شجرة أرجوانٍ فوق رأس عاشقة” وهم كما أرواحهم “مكتنزون كسلاحٍ لا يسلّم نفسه إلّا ليدٍ تقاتل لحظيَّة الموت لنيل حياةٍ أبديّة” فهم من يعزفون لحن الخلود فتراهم ظهروا فجأة من حيث لا يتوقع العدو “متقدّمون هنا وهناك”، فهم أبناء الأرض وهم “ماهرون في العزف على أوتار الموت في عزّ الحياة! “.
وتتساءل قمر: “والاحتلال؟” ليأتيها الجواب من هؤلاء الشباب: “الاحتلال: تراكمٌ وهميّ لمعنى الاختلال”، وفي هذا الزمن يكثر الاختلال “وأيّ اختلالٍ في هذا الزّمان يعالجه فلسطيني!”، فتزداد حيرة الشاعرة فتصرخ: “لا أعلم كيف؟” ولكن الجواب يأتيها من كل شاب مقاوم في أية بقعة من الوطن فهو “في كلّ مرّةٍ يثبت أنّه انبعاثٌ لروح الوطن المنهكة. ”
هؤلاء الشباب والسواعد السمراء المقاومة هم الجواب على تساؤلات الشاعرة: “من سيحمي أحلامنا وأحلام الآخرين، إن نامت جنين؟” فلا غيرهم ” من سيسقي شجر المقاومة إن جفّ ينبوع نابلس؟”، فهم وحدهم: “من سيقود الجمال” وهم الدليل لشمس الحرية وهم “من سيحرس الثّورة والعزّة إن تنحّت غزّة”، فهم لن يسمحوا ابدا أن تستسلم “سهول المرج” ولن يسمحوا أن تنطفئ “قناديل العنب في الخليل”، فهم كانوا وسيبقوا “في قلب كلّ صبيّةٍ بوح ناي، وفي قلب كلّ شابٍ أمنيةٌ ومَنِيَّة”.
وتنهي الشاعرة النص بالنداء “من عمق البلد”: “أيّها الفلسطينيّ السّرمديّ، من عمق الأبد الذي تسكن فيه”، وتعلن أمنياتها: “أتمنّى أن يرسل الفضاء الرّحب الآلاف منكم”، وتشكرهم فهم من يستحقون الشكر: “شكرًا لأنّكم مستمرون في تعديل جودة الصّورة! “، وتصرخ صرخة الماجدات الفلسطينيات من أعماق قلبها: “فبئس من تمسّك بالحياة، ونعم من اهتمّ بالموت”.
وهكذا حملتنا الشاعرة والكاتبة والاعلامية المتخصصة بأسرى الحرية في نص من أعماق روحها ومن قلب الوطن وشبابه وسواعده المقاومة، نص تميز بقوة الكلمات والألفاظ وتكثيف الفكرة، جمالية التشبيهات ورسم اللوحات بالكلمات، بلون الأرض وعبق الياسمين وجذور الزيتون.
(27)
“رسالةٌ حائرة”
قمر عبد الرحمن
يراودني سؤالٌ سلسٌ جدًّا
سؤالٌ يصيبني بالدّوار، سؤالٌ صامتٌ ينظر إليّ باستمرار!
من أيّ طينةٍ جُبِل الشّباب الفلسطينيّ؟
يثيرون في قلبك شهيّة الحياة والموت معًا،
إمّا نضالٌ وإمّا قتال!
يتشاركون الهيبة والمهابة، يتلاحقون في التّشييع، متماسكون حتّى في الجنائز
يتشابهون في قلوبهم ومراميهم كما يتشابه الياسمين
لا يهمّهم مَن معهم، المهم أنّ الهمّ ما زال يجمعهم
! باقون كارتكاز صوت فيروز في الذّاكرة
يبلغون من البشاشة، ما تبلغه شجرة أرجوانٍ فوق رأس عاشقة
مكتنزون كسلاحٍ لا يسلّم نفسه إلّا ليدٍ تقاتل لحظيَّة الموت لنيل حياةٍ أبديّة
متقدّمون هنا وهناك، ماهرون في العزف على أوتار الموت في عزّ الحياة!
والاحتلال؟
الاحتلال: تراكمٌ وهميّ لمعنى الاختلال
وأيّ اختلالٍ في هذا الزّمان يعالجه فلسطيني!
لا أعلم كيف؟
لكنّه في كلّ مرّةٍ يثبت أنّه انبعاثٌ لروح الوطن المنهكة.
مثلًا..
من سيحمي أحلامنا وأحلام الآخرين، إن نامت جنين؟
من سيسقي شجر المقاومة إن جفّ ينبوع نابلس؟
من سيقود الجمال إن استسلمت سهول المرج؟
من سيكون الدّليل إن انطفأت قناديل العنب في الخليل؟
من سيحرس الثّورة والعزّة إن تنحّت غزّة؟
في قلب كلّ صبيّةٍ بوح ناي، وفي قلب كلّ شابٍ أمنيةٌ ومَنِيَّة
! أيّها الفلسطينيّ السّرمديّ
من عمق الأبد الذي تسكن فيه،
أتمنّى أن يرسل الفضاء الرّحب الآلاف منكم
! من عمق البلد،
شكرًا لأنّكم مستمرون في تعديل جودة الصّورة!
فبئس من تمسّك بالحياة، ونعم من اهتمّ بالموت.