عمرو موسى: لا بد أن نعي مخاطر التنازل والاستسلام دون مقابل
اكد الامين العام الاسبق لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى ضرورة زيادة الوعي بمخاطر التنازل والاستسلام لما يفرض علينا دون مقابل خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي يجب أن يظل الموقف العربي منها على أساس مبادرة بيروت، والتي تعمل على تحقيق سلام مع إسرائيل مع عدم إنكار التحديات التي تواجهنا.
ورأى موسى في المحاضرة التي نظمها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، وجاءت بعنوان “لم يكن الربيع العربي ربيعاً.. ولكن سوف يأتي الربيع”، أمس الاثنين، وقدمه فيها رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري أن جامعة الدول العربية هي “العنوان العربي”، والممثل الحقيقي للموقف العربي.
ودعا إلى ضرورة العمل على خلق دور عربي إقليمي جديد وذلك بصياغة هذا الدور، وليس استعادة الدور القديم في ضوء الزخم الإقليمي الحالي والمتغيرات المتسارعة على الساحة الإقليمية والدولية.
وأضاف موسى في معرض حديثه عن الجامعة العربية أنها «لا تزال هي العنوان العربي، فمن يريد أن يتحدث إلى العرب يجب أن يعود لجامعة الدول العربية، فهي ليست إلا مرآة لموقف العرب».
وأكد أهمية استغلال الطاقات العربية بمعايير القرن لتكون لدينا الفرصة المتميزة للحركة نحو المستقبل والتقدم إلى الأمام.
وشدد موسى على ضرورة خلق دور عربي جديد، يعيد له مكانته وحضوره في الإقليم، للخروج من حالة الفتور إلى المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار.
وبحسبه، فإننا كعرب “عانينا من الفوضى التي أتى بها الربيع الأول، وبحاجة اليوم لإنتاج ربيع ثاني، ربيعا حقيقاً، يصب في خانة الإصلاح والانطلاق نحو المستقبل، فلا يصح أن تنطلق الأقاليم كلها في قارات العالم المختلفة ويتراجع الإقليم الذي نعيش فيه ويحمل اسمنا”.
وأعتبر موسى أن أجيالنا المتشابكة، على مد العصور، من شباب وكهول ورجال ونساء، مفكرين ومهنيين، مدنيين وعسكريين، قد أخفقت في أن تفرض “الحكم الرشيد”؛ ليتمتع الناس بميزاته وانجازاته، وبالتالي تراكم هذه الإخفاقات أفقد هذا الجيل في أن يطرح مشروعاً عربياً ديناميكاً تراكمياً مستداماً.
ونبه إلى ضرورة التسلح بنظرة تفاؤلية؛ فالأمة العربية تعيش حالة من القلق، خصوصا بعد أحداث2011، التي كانت نتاجا لشبكة من الاسباب التي تفاعلت سويا، لافتا إلى أن هذه الاسباب تندرج تحت أخطاء داخلية، ومؤامرات إقليمية، وتدخلات خارجية.
وأوضح أنه لولا سوء إدارة الحكم وممارسته ما كان يمكن أن يستمع أحد إلى “ترهات” الفوضى الخلاقة، ولولا سياسات الفوضى الخلاقة في إضعاف الحكومات والنظم ما تجرأت منظمات التطرف السياسي الاقتراب من حكم هذه المنطقة الواسعة، مبينا أن هذه الفوضى تم استغلالها من قوى عديدة، داخلية وإقليمية ودولية.
وتساءل موسى “ألم يكن هناك جانب إيجابي لهذه الأحداث؟”، لكن يجيب بنفسه على تساؤله، قائلاً “باعتقادي، أن الجانب الإيجابي لهذه الأحداث تمثل بالرسالة المهمة التي بعث بها الشباب إلى أهل الحكم؛ تأكيدا على وجودهم ودورهم في الحياة، بالإضافة إلى أن القوى السياسية السلبية ما تزال تحاول وتستعد لأن تنقض، في لحظة تراها مناسبة على رقاب المجتمع”.
ووفق منظوره، فإن القرن الحادي والعشرين بجديته وتداعياته وأطروحاته بدأ لدينا في العالم العربي خلال العام 2011، وربما قبل ذلك بأيام، خصوصاً أن الثورة التونسية التي أطلقت الشرارة، وأحدثت تغييراً نتاجه الثورات، مؤكداً أهمية هذا التغيير والإصرار عليه.
إلى ذلك، نقل موسى على لسان أحد كبار مسؤولي البنك الدولي، قوله بأن “نجاح الأقاليم الاقتصادية حول العالم في تخفيض نسبة من يعانون الفقر المدقع زادت هذه النسبة عربياً إلى الضعف، أي من ٢.٦% إلى ٥% بين الفترة ٢٠١٣ – ٢٠١٥”.
وحول كيفية مواجهة البلاد العربية لأوضاعها التي وصلت إليها، دعا موسى كل بلد عربي، بمناقشة مستقبله وأمنه في المنطقة، وعلاقاته الإقليمية مع الدول، مع ضرورة “قلب” التحدي الإقليمي الحالي ضد العرب والاستخفاف العالمي بهم وبحقوقهم ومصالحهم إلى التعامل معهم بجدية واحترام، وصولا لأن يضعوا مصالحنا باعتبارهم.
وتحقيق الرؤى السابقة، بحسب موسى، لها شروط عدة، أهما “الاتفاق أن إطارنا السياسي هو العالم العربي، وليس فقط الأمة العربية، وبالتالي يجب أن نقبل فكرة أننا لا نعيش وحدنا في العالم، فيعيش معنا الأكراد والامازيغ والتركمان والشركس، وغيرهم..”، مبينا أن العالم العربي المتنوع يكون مركزا للقوة والانطلاق.
وأكد المحاضر أن منطلقنا في القرن الحادي والعشرين، يجب أن يكون على أساس الحق المتوازي المتساوي للجميع في المواطنة، حقوقاً والتزامات، حريات وواجبات، وبالتالي الحق المشترك، لنا جميعا، في الرخاء والأمن.
كما أكد أن الإثارة والتهييج والقصور الفكري المرتبط بنزاع الشيعة والسنة يجب أن يتوقف، وفوراً، لتجنب الوقوع في هذا المطب، الذي يعني أن الاستمرار في هذه السياسية المرتبطة بالعمل على الإيقاع بين أطراف وجماعات أو مجتمعات من شأنها أن تؤدي إلى أزمة مستدامة لا نهاية لها في الأفق المنظور.
وشدد على الاهتمام في صناعة الشعار السياسي الذي يجمع العرب، مع الانتقال، في أقرب فرصة، من الدعوى للوحدة العربية العاطفية إلى التقدم العربي الذي يفتح أمامنا الباب واسعا للمشاركة في حركة التقدم العالمي.
ورداً على سؤال، عن مدى نجاح الدول سياسيا، على الصعيدين الإقليمي والخارجي، قال موسى إن “أي سياسة إقليمية أو أي سياسة خارجية لا يمكن أن تنجح أو أن يكون لها مردود ايجابي دون سياسة داخلية ذات منطق ونجاعة وكفاءة”.
وتابع “ليس بمقدور مجتمعاتنا العربية وحدها أن تحقق المراد في التنمية والعدالة، وتحقيق الوزن الإقليمي المطلوب”، مطالبا العرب بضرورة رسم تطلعاتهم المستقبلية على أساس تعاوني.
وبشأن الملف السوري، قال موسى بلهجته المصرية “أمامنا سكة طويلة، فالتعمير يأخذ وقتا كبيرا، وإعادة الناس واللاجئين والنازحين إلى بيوتهم، وهو أمر واجب، يتطلب الكثير من الوقت والأموال الهائلة، وكذلك سيادة سوريا على أراضيها لا بد أن تشمل الجولان المحتلة”.
أما عن ليبيا، التي تواجه تحديات كبيرة، فاعتبر موسى أن هناك دور مهم لدول الجوار (مصر، تونس، الجزائر، المغرب. وغيرها) في إعادة استقرار ليبيا، لافتا إلى أن ليبيا مرت بظروف صعبة، واستقرارها مقرون باستقرار الشمال الإفريقي، واستقرار بحر المتوسط، الذي يتطلب العلاج السليم والتعامل الصحيح مع الأزمة الليبية.
وختم موسى حديثه بالتأكيد على أهمية ودور الجامعة العربية فيما يخص العمل العربي المشترك، داعيا إلى ضرورة توفر نظام عربي جديد، يؤسس لمرحلة تعاونية وتشاورية وتشاركية بين الأطراف.
بدوره، بين المصري، خلال تقديمه للمحاضر أن من حق الثقافة المصرية علينا، أن نُذكر بفضلها وبروحها ومفرداتها، لكونها صاحبة الجذور العميقة عربياً، في كياسة التهذيب، وفي لباقة التعبير الحضاري والدبلوماسي.
وبحسب المصري، فإن تلك الثقافة التي هي من لغة وسلوك المواطن المصري العادي إلى أعلى رجل في المجتمع، كانت هادياً لتعليم وتثقيف كثيرٍ من أجيالنا العربية، خلال المائة عام الأخيرة، ناهيك عن الأدب والفنون والموسيقا.
ولفت إلى أن الرموز في الثقافة الراهنة لشعوبنا العربية، حين تنفصل عن طورها البشري بالتحول إلى رموز، فإنها تصبح مستعصية على الكلام العادي الذي يخص طورها البشري، وأن الرموز الحقيقية، سواء حية أو معنوية، فهي بطيئة في حركة انسحابها من نفوس الناس مما تمثله من دلالات.
وموسى، قضى حياته لأكثر من نصف قرن في أروقة السياسة المصرية والعربية، متنقلاً بين منصب وآخر، لعل أكثرها سطوعاً حين كان مندوبا لمصر لدى الأمم المتحدة في العام 1990، وهي اللحظة الفارقة بعد احتلال العراق للكويت، وما تبع ذلك من قرارات أممية أفضت إلى حصار العراق ومهاجمته لإخراجه من الكويت. تم انتخابه كأحد الأعضاء المدنيين في الجمعية التأسيسية لكتابة دستور 2012.
أما “شومان”؛ فهي ذراع البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية والثقافية، وهي مؤسسة ثقافية لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار.