السعودي : “الخطاب الديني المتشدد” بداية التحول من مواطن عادي لإرهابي

قال الأستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن أننا نجد فكر “داعش” الشاذ في كل دين، ونراه في كل طائفة، ونسمع صوته عند كل معتقد، رابطا إلى أن «داعش»، بمعنى إسقاطي، هي الوجه الديني الآخر «لإسرائيل»؛ ففكرة القمع والإضطهاد للآخر تجد أرضا خصبة بين أفكار شمولية لعل من أفدحها التعصب الديني والمذهبي، لافتا إلى أن “داعش” و “إسرائيل” متشابهتان في الفكرة والتأسيس، فهما «دولتان» بلا حدود رسمية معترف بها، وبلا هوية، وبلا دستور. وكل منهما تشكل من مرتزقة من كل حدب وصوب. جاء ذلك خلال تقديم الدكتور أسعد للأستاذ الدكتور إسماعيل السعودي (مستشار رئيس الجامعة الأردنية للشؤون الثقافية) في محاضرته في “منتدى العصرية” مساء الأربعاء والتي نظمتها “مؤسسة فلسطين الدولية” و “المدارس العصرية” في منتدى الأخيرة، وحملت عنوان: “الظاهرة الداعشية: شذوذ في التاريخ العربي الإسلامي؟”، الذي وصفه بـ “الباحث العميق” وبـ “الأكاديمي من الطراز الرفيع” وبـ “صاحب المضمون المتميز”، و بـ “من خير من يتحدث عن هذه الظاهرة الشاذة”.
من جهته، قال د. السعودي: أن داعش ليست دولة بالمفهوم السياسي المتعارف عليه للدولة، وليست إسلامية بما استقر عليه الإسلام السمح من رحمة ومودة وقبول للآخر المخالف وقيم ومُثل إنسانية عليا. وهذا اللعب على وتر الدين والخلافة جعل الكثير من الناس يتعاطفون مع داعش في بداية ظهورها، وأن عقيدة “داعش” – المبنية على عدد من المرتكزات العقائدية والفكرية التي اعتبروا أن الإيمان الكامل لا يكون إلا بها- تقوم على تكفير الآخر المختلف معها حتى لو كان مسلما، بناء على تفسيرهم وتأويلهم الفاسد للنصوص وهم بذلك ساروا على خطى “الخوارج” وهم أول فرقة عرفها التاريخ الإسلامي قام منهجها على التكفير، مشيرا إلى أن التحاق بعض الشباب المنفلتين بالجماعات الجهادية ناشئ عن “عقدة نقص” تعمقت لديهم ناتجة –في الأصل- عن عوامل سيكولوجية واجتماعية وتربوية ودينية سهّلت عمليات تجنيدهم، إضافة إلى أسباب أخرى جعلتهم هدفا لهذه التنظيمات؛ كالعزلة الاجتماعية والميل للمغامرة التي دفعتهم للقيام بأعمال جسيمة قد تشعرهم بوجودهم في ظل التهميش الذين يعيشونه، لافتا إلى أن “الخطاب الديني المتشدد” والجاهل هو بداية تحول أحدهم من مواطن عادي لإرهابي قادر على تفجير نفسه بهدف دخول الجنة، فهم يقنعون المغرر به لكي يكون انتحارياً من خلال ترغيبه بالجنة والحور العين، وهم يستغلون الذين يعانون من مشاكل اجتماعية ونفسية، ومن عانوا من مآسٍ عائلية، أو من كانوا منحرفين وغير متدينين ليكفّروا عن ذنوبهم وخطاياهم بالشهادة، وهي في الأصل انتحار وليست استشهادا!، إذ أنه لا يوجد ربط بين “الشهادة” وبين الموت في سبيل الله، مشيرا إلى أن هذا “الخطاب” عادة ما يجد أرضاً خصبة عند من يوصفون بأنهم غير ملتزمين؛ الذين لا ينضمون للجماعات الإرهابية بسبب التزامهم الديني فقط؛ بل لأنهم يعانون من مشاكل نفسية أولاً وأخيراً، ووجدوا في الأدبيات الوعظية الجاهلة حلاً سريعاً وناجحاً للخلاص. ثم أضاء المحاضر السعودي على بعض العوامل الموضوعية والذاتية التي أدت لقيام “داعش” التي منها على سبيل المثال: غزو العراق واكذوبة أسلحة التدمير الشامل وتفكيك الجيش العراقي الأجهزة الأمنية العراقية، إضافة إلى حل وزارة الدفاع العراقية، وتسبب الأمريكيين بحصول فراغ وفجوة أمنية وطنية، وقانون اجتثاث البعث، علاوة على الحرب التي جرت في سورية، وانشغال الدولة السورية بها، وانكفائها للحفاظ على وجودها وبما تفرّع فيما بعد من جماعات إرهابية ممثلة بالنصرة وجيش خالد والقاعدة، الأمر الذي سهل مهمة “داعش” في التوسع على الحدود العراقية السورية. وطبعا وجود العدو الصهيوني وممارساته القمعية ضد الفلسطينيين، وادّعاء جميع المنظمات الإرهابية في العالم أنها جاءت لتحرير فلسطين، وحقها في ممارسة الجهاد ضده أو ضد أية جهة تدعمه في العالم، وغيرها من العوامل، مؤكدا أن “داعش” تربت وترعرعت على أيدي الاحتلال الأميركي وبعض الدول التي لعبت دورا في تشجيع مثل هذه المنظمات الإرهابية، وأن الوثائق والحقائق على الأرض تؤكد عدم خلو دولة عربية أو إسلامية تقريباً من وجود لهذا التنظيم سواء بشكلٍ علني أو عبر ما سُميَ بالخلايا النائمة لأسباب سياسية استبدادية وأخرى سلفية مُتطرّفة أضحت موجودة ليس في بيئتنا العربية فحسب، بل في أوروبا والولايات المتحدة، عَبر بيئات المُهاجرين المُسلمين الفقراء في أحزمة الفقر حول المدن الأوروبية، أو في تنظيمات المُقاتلين العائدين من سورية والعراق، مؤكدا أن مواجهة قصة إرهاب داعش المستمرة تحتاج إلى استراتيجية شاملة: دعوية وسياسية وأمنية على المستوى العربى والإسلامى والعالمى .. لأن التنظيم قد يتشظى في صورة «ذئاب منفردة» شديدة الخطورة بانتظار العثور على ملاذ آمن جديد، وقد يؤدي تشظيه إلى تقدم «القاعدة» لوراثة بعض عناصره وغيرها من السيناريوهات.إلخ.
هذا، وشهدت الأمسية –التي ناهزت الساعة والنصف– حضورا لافتا ومشاركة واسعة في النقاش، وانتهى اللقاء بتقديم د.اسعد عبدالرحمن درع تكريمي للمحاضر باسم”المدارس العصرية” و”مؤسسة فلسطين الدولية”.

زر الذهاب إلى الأعلى