استراتيجيا المثقف تكتيك السلطة كتاب في ثلاثة أجزاء لإبراهيم اليوسف
صدر مؤخراً عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشركتاب جديد للكاتب السوري إبراهيم اليوسف في ثلاثة أجزاء بعنوان” استراتيجية المثقف تكتيك السلطة”، وفي 400 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة، وقد جاء الكتاب الأول بعنوان: هوية الكاتب وماهية الكتابة. وجاء الكتاب الثاني بعنوان: ثنائية الخطاب والتزييف. أما الكتاب الثالث فقد جاء بعنوان: معادلة المواجهة والسقوط. ويشير المؤلف إلى أن هناك جزء آخرمن الكتاب، ستتم طباعته لاحقاً، يعاين فيه واقع المثقف الكردي، بعد امتحان الثورة السورية.
تستحق ثنائية” السياسي والثقافي” الكثيرمن الاهتمام، من قبل كل من يشتغل في الحقل المعرفي، لاسيما في أي فضاء تنعدم فيه العدالة وقيم المساواة والديمقراطية، وذلك لما للموقف بين طرفي العلاقة من تأثيرعلى رؤى المثقف، وموقفه، ومصداقية مايقدمه من نتاج ثقافي، ليكون- المثقف- هنا، هو منتج الثقافة في حقول الكتابة والأدب والإبداع والمعرفة، وحتى الفنون بأنواعها: مسرح- تشكيل- موسيقا- سينما إلخ، إذ إن هناك حدوداً، بل معايير، كثيرة يمكن أن يضعها أي مثقف لنفسه، في ما يخص علاقته بالسياسي/ السلطوي، كما أن السياسي المتناول هنا- هو المتسلط- أو السلطوي، وإن كنا نمييز بين سياسيين: أحدهما مضطهِد، بكسر الهاء، والآخر مضطهَد، بفتحها، وقد يحتل موقع الأول، ويرثه، إن امتلك أدواته، مادمنا ضمن حدود ذلك الفضاء، مختل القوانين، والأنظمة؟!
ذلك السياسي، وهوالتسلطي، هنا، ليس له إلا أن يتلمس الخاصرة الرخوة لسلطته، أمام صورة المثقف الحقيقي، مستشعراً الخطورة والهلع، مايدعوه للاستنفار، لطالما هوغيرقادر أن يحقق وظيفته المثلى، أمام صورة المثقف، وقوة تأثير أدواته، وهويمارس دوره النقدي، لذلك فإن من طبيعة هذا السلطوي أن يكون معنياً بأمر ضرورة استمالة المثقف، أواحتوائه، وتبعيته، على نحو رسمي أو غير رسمي، أي على نحو ديواني، أو دعائي، بهذا الشكل أو ذاك، وإن كان السياسي لايمكن له أن يعنى بالثقافي إلا إذا تنازل هذا الأخير له عن رسالته، وبدل موقعه من خانة الناقد إلى خانة المبوِّق، وشتَّان مابين هاتين الخانتين…!
دأب الفرد، منذ بدايات نضوج حالة الوعي لديه، ضمن إطار المنظومة الأخلاقية، بثابتها المتحول في بعضه، ومتحولها الذي هو مشروع ثبات، كجزء من ثقافته -وهي في التالي ثقافة المجتمع من حوله- على الحفاظ على التزامه بالكثير من الأُخطوطات التي يضعها لنفسه، أوهي موضوعة -في الأصل- بحكم العادات أو القوانين أو الأعراف، فلا يسمح لنفسه بتجاوزها، بل يجهد للالتزام بها، وإن كان ذلك على حساب راحته، وطمأنينته، وأمنه، ومنفعته، بل إنه يتمثل هاتيك الإشارات في سلوكه اليومي، وقد يذهب أبعد من ذلك، من خلال المساهمة في نشرها، بدءاً من إطار أسرته، ومروراً بمحيطه الضيق، وانتهاء بالمحيط العام، وذلك تبعاً لموقعه، ومدى نجاعة أدوات ترجمته التي يعتمدها.
وما قد يقال، هنا، عن الفرد، فإنه ليقال في الوقت ذاته، عن المؤسسة والمجتمع، حيث استطاع بعض هذه القيم أن يحصن ذاته، إما عبر قوننته، أو عبر تشكيله التابوات التي لا يمكن اختراقها، في ظل رقابة الآخرين لما يتم في حدود الدوائر المتاحة، وهو ماله أثره المهم في حياة الناس، لاسيما عندما ترتبط بمصالحهم، وأمنهم، وحياتهم، ومستقبلهم..!
ولئلا نشطح هنا بعيداً، ويكون الحديث غارقاً في التنظير، أو حتى الجدف، فإنه علينا أن ندرك حقيقة تعاظم المسؤولية الأخلاقية، في أعناقنا جميعاً تجاه أنفسنا، ومن يعيشون ضمن عماراتنا الكونية، حيث أنه من اللزام علينا تحمل الأعباء المترتبة، على أي منا، من أجل وضع حد لآلام جيراننا في هذا البيت الواحد، سواء أكان على صعيد الموقف الأخلاقي، النظري، أو حتى عبر ترجمته بالوقوف إلى جانب هؤلاء بما يمكننا لمنع اندياح دائرة الدم، والقتل، ما استطعنا، لاسيما وأننا في زمن بات للخطاب قوة الرصاصة، في ما إذا استخدم على الوجه الأمثل، وهو من عداد أولى المهمات الملقاة على كاهل المثقف، في مواجهة الصور الإلكترونية، الغارقة في استفزازها، وكريات دماء الأطفال، والشيوخ، والنساء، في أشدّ أماكن التوتر والخطر التي تحصد أرواح الأبرياء، وتدمر عنواناتهم في خريطة العالم الكبير.
يعد الكتاب بأجزائه الثلاثة الممطبوعة ضمن غلافين، أحد الكتب التي عاينت شخصية المثقف السوري مع بدايات انطلاق الثورة السورية. حيث يرى المؤلف أن هناك أصنافاً من المثقفين. منهم من وقف مع أهله، ومنهم من لاذ بالصمت، مقابل من تواطأ ضده. إذ تمت غربلة جبهة المثقفين، أمام محيطهم، ومتابعيهم، على نحو واضح . هذه الجبهة التي لم يؤد الكثيرون من المنتمين إليها أدوارهم بالشكل المطلوب.
كما يكشف الكتاب عن وجود الأنموذج الرمادي. ذلك الأنموذج الذي كان يترقب لحظة التحولات كي يعلن وقوفه إلى جانب الأقوى. وقد كانت محنة هذا الأنموذج أنه انخدع بالوقائع أكثرمن مرة، لذلك فقد كان موقفه زئبقياً. وهولايبحث في المحصلة إلا عن مكاسبه باعتباره ضحية إمعية لاأكثر.
الأفكارالتي تم طرحها في هذا الكتاب يتم تناولها بجرأة، في التشخيص، بعكس بعض البحوث والدراسات السريعة أو حتى المتأنية منها التي تناولت حدث الثورة السورية، و راحت تتجاهل التشخي، أو تميل إلى التعمية من خلال التغطية على سوءات بعض المثقفين وتناول لحظة التناول بعيداً عن الماضي والمستقبل. أي أنها معالجة تتناول الموضوع من خلال المزاج المتقلب نتيجة ظروف حالة الحرب، وبهذا فإن هذا الكتاب يثير من جديد حواراً مهماً بهذا الخصوص، قد نختلف خلاله مع مضمون ماجاء في هذه القراءات أو نتفق معها..!
والجديربالذكر، أنه قد صدرلليوسف، وهو شاعر وناقد كردي من مدينة قامشلي، يقيم في ألمانيا، حوالي خمسة وعشرين كتاباً تنوع مابين الشعر والنقد والرواية والدراسة، وياتي هذا الكتاب كأحد أبرز أعماله الجديدة، في أحد القضايا الحساسة والإشكالية..